للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث القبَّة التي صنعها الوليد لينصبها على الكعبة:

قد ذكر الطبريُّ وغيره طرفًا من حديثها، وأنه أراد أن ينصبها على ظهر الكعبة في سنة عشر ومئة لما حجَّ.

وذكر الواقديُّ أنه صنع قبَّةً أخرى لمَّا وليَ الخلافة.

فحكى الواقدي عن أبي الزِّناد قال: كان الوليد بن يزيد قد اتخذ قُبَّةً من ساج ليجعلها مقابل الكعبة].

وذكر جدَّي في "المنتظم" فقال بإسناده عن أصبغ بن الفرج، سمعتُ سفيانَ بنَ عُيينة يُحدِّث (١) أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك، صنع قُبَّةً ليجعلَها مقابل الكعبة، ويطوفَ هو ومن يريدُ فيها، ويطوفَ الناسُ من ورائها، وكان قصدُه خبيثًا، وربَّما شرب الخمر فيها.

وبعث بها من الشام على الإبل، وأرسل معها قائدًا في ألف فارس، وبعث معه مالًا وثيابًا يفرَّق في أهل الحرمين.

فقدِمَ القائد المدينة، ونصبَ القُبَّة في مصلى المدينة، فأفزعَ أهلُ المدينة ذلك، وجاؤوا إلى سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عَوْف الزُّهْري -وكان قاضيًا على المدينة- فأخبروه، فغضب وقال: أحْرِقُوها. فقالوا: معها ألفُ فارس. فدعا بدِرْعِهِ الذي شهد فيه جدُّه عبد الرحمن بنُ عوف بَدْرًا، فلبسَه، وركب فرسه، فما تخلَّف عنه قرشيٌّ ولا أنصاريٌّ وبيده شُعلةٌ من نار، فجاء إلى القُبَّة، فأحرقَها، وانهزمَ القائدُ إلى الشام، وشبع [عبيد] أهل المدينة من النَّاطف (٢) ممَّا أخذوا من حديدها.

وبلغ الوليدَ، فكتبَ إلى سعد بن إبراهيم: ولِّ القضاءَ مَنْ شئتَ، واقْدَمْ علينا. فقدم الشام، فأقامَ بباب الوليد شهرًا لا يصلُ إليه حتى نَفَدَتْ نفقتُه.

فبينا هو ذات عشيَّة في المسجد؛ إذا بفتًى في مُلاءة صفراء سكران، فقال: من هذا؟ قالوا: خالُ الوليد بن يزيد. فقام سعد وأخذ السَّوطَ، فضربَ به الأرضَ، وحدَّه حدَّ الخمر، وركب راحلته، وكرَّ راجعًا إلى المدينة.


(١) الخبر في "المنتظم" ١/ ٢٣٧ بغير الإسناد المذكور أعلاه. والكلام السالف بين حاصرتين من (ص).
(٢) الناطف: ضربٌ من الحلوى يصنع من اللوز والجوز والفستق. ولفظة "عبيد" السالفة بين حاصرتين من "المنتظم" ٧/ ٢٣٨. والخبرُ منه، وهو أيضًا في "أخبار القضاة" ١/ ١٦١ - ١٦٢.