للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونصبوا له رايةً، ونادَوْا: قد بايعَ العباسُ. فلما رأى أصحاب الوليد ذلك تفرَّقوا عنه.

فظاهر الوليدُ بين دِرْعين (١)، وركبَ فرسَه السِّنديّ، وقاتلهم (٢)، فصاح رجلٌ: اقتُلُوا الفاسقَ عدوَّ الله قَتْلَ (٣) قوم لوط، أرْمُوهُ بالحجارة.

فلما سمع ذلك دخل القصر، وأغلقَ البابَ، وأحدقَ عبدُ العزيز وأصحابُه بالقصر، فدنا الوليد من الباب فقال: أما فيكم رجل شريفٌ له حَسَبٌ أُكلِّمُه؟ فقال له يزيد بن عنبسة السَّكْسَكيّ: تَكَلَّمْ. فقال: مَنْ أنت؟ قال: فلان. قال: يا أخا السَّكاسِك، ألم أَزِدْ في أُعْطِياتكم (٤)؟! ألم أَرْفَعِ المُؤَنَ عنكم؟! ألم أُعْطِ فقراءَكم؟! ألم أفعل كذا وكذا؟ فقال له يزيد: نحن ما نَقَمْنا عليك في أنفسنا، ولكنَّا نَقَمْنا عليك انتهاكَ حُرُماتِ الله، وشربَ الخمر، واللِّواط، والفسقَ، ونكاحَ أمَّهات أولاد أبيك، واستخفافَك بأمرِ الله. فقال: حَسْبُك، فقد أكثرتَ، فواللهِ لا يُرْتَقُ فَتْقُكُم، ولا تُجمع كلمتُكم، ولا يُلَمُّ شَعَثُكُم بعد اليوم.

ثم عاد إلى القصر، فجلس ونشر المصحف في حِجْرِهِ وقال: يومٌ كيومِ عثمان، فتسوَّرُوا عليه الجدار، فكان أوَّلَ من نزل يزيدُ السَّكْسَكيّ هذا، وسيفُ الوليد إلى جنبه، فقال له: نحِّ سيفَك. فقال الوليد: لو أردتُ السيفَ لكان لي ولكم حالٌ غيرُ هذه. فأخذ يزيدُ بيد الوليد وهو يريد حَبْسَهُ، وأن يؤامِرَ فيه. فنزل من الحائط عَشَرَةٌ، منهم منصور بن جُمهور، والسَّريّ بن زياد بن [أبي] كبشة، وعبد السلام اللخمي (٥)، فضربَه عبدُ السلام على رأسه والسَّرِيّ على وجهه، واحتزَّ رأسَه أبو علاقة القُضاعي، وجاؤوا به إلى عبد العزيز، فبعث به إلى يزيد مع رَوْح بن مُقبل، فوافاه وهو باللؤلؤة ظاهر باب الجابية، فسجدَ يزيدُ وقال: الحمد لله على قتل الفاسق (٦).


(١) في (ص): ولما رأى الوليد ذلك ظهر بين درعين …
(٢) في "أنساب الأشراف" ٧/ ٥٢٨، و"تاريخ" الطبري ٧/ ٢٤٥: وأتوه بفرسيه: السِّندي والزائد، فقاتلهم قتالًا شديدًا. وفي "تاريخ دمشق" ١٧/ ٩٣٢، و"مختصره" ٢٦/ ٣٧٦: وأتوه بفرسين … إلخ.
(٣) في (ص): مثل، وفي المصادر المذكورة سابقًا، و"الأغاني" ٧/ ٧٩: قِتْلَةَ.
(٤) في (ص): عطائكم.
(٥) في (خ) و (د) و (ص): السلمي. والمثبت من "تاريخ" الطبري ٧/ ٢٤٦، و"تاريخ دمشق" ١٧/ ٩٣٢، و"مختصره" ٢٦/ ٣٧٧.
(٦) ينظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٥٢٦ - ٥٢٧، و"تاريخ" الطبري ٧/ ٢٤٣ - ٢٤٧، و"الأغاني" ٧/ ٧٨ - ٨١ و"تاريخ دمشق" ١٧/ ٩٣٠ - ٩٣٢. وليس فيها قوله: فوافاه وهو باللؤلؤة ظاهر باب الجابية.