للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يزيدُ بنُ الوليد كَتَبَ للحارث كتابَ أمان، فسار إلى مَرْو، فلما قَرُب من مَرْو؛ تلقَّاه سَلْمُ بنُ أحْوَز والناسُ معه، فقال له محمد بن الفَضْل العَبْسيّ: الحمدُ لله الذي أقرَّ أعيُنَنَا بقُدومك، وردَّك إلى فئة الإسلام والجماعة، فقال له الحارث: يا بني، أما علمتَ أنَّ الكثير إذا كانوا على معصية الله تعالى لم يكونوا جماعة، وأن القليل إذا كانوا على طاعته (١) كانوا جماعة، وما قَرَّتْ عيني منذ خرجتُ إلى يومي هذا، وما قُرَّةُ عيني إلا أن يُطاع اللهُ تعالى.

وتلقَّاه نصر، وأنزلَه قصرًا، وأجْرَى عليه كلَّ يوم خمسين درهمًا، وأطلقَ مَنْ كان في حبسه من أهل الحارث، ومحمدَ بنَ الحارث (٢)، والأَلُوفَ وأمَّ بكر ابنَتَي الحارث.

وكان للحارث عودٌ يُقاتلُ به وزنُه ثمانيةَ عشرَ رِطْلًا.

وأعطى نصرٌ الحارثَ أموالًا وثيابًا، ففرَّقَها في أصحابه، وكان لا يجلسُ على فِراش، ولا يشتغلُ بالمآكل واللَّذَّات، ويقتصرُ على الشيء اليسير، فعرض عليه نصرٌ أن يُولِّيَه أيَّ الولايات شاء، ويعطيَه مئة ألف، فلم يقبل وقال: لا أُريد إلا العمل بكتاب الله وسنَّةِ رسوله، ولست من لذَّات الدنيا وتزويجِ العقائل في شيء، وما أريد إلا ما ذكرتُ لك من العمل بالكتاب والسنَّة، واستعمالِ أهل الصلاح والخير، فإن فعلتَ ساعدتُك على عدوِّك.

وأرسل الحارث إلى الكِرْمانيِّ يقول: إنْ عملَ نصرٌ بكتاب الله وسنَّةِ رسوله؛ ساعدتُه، وإن لم يعمل استعنتُ بك عليه.

وظهر من نَصْر جَوْرٌ، فأرسلَ إليه الحارث يقول: خرجتُ (٣) من هذه البلدة [منذ] (٤) ثلاثَ عشرةَ سنة من الجَوْر وأنتَ تُريدني عليه؟!


(١) في (د): طاعة.
(٢) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٣٠٩: أطلق نصر مَنْ كان عنده من أهله؛ أطلق محمد بن الحارث … إلخ.
(٣) رُسمت اللفظة في (خ) و (د) (والكلام منهما): حرت، والمثبت من "تاريخ" الطبري ٧/ ٣١٠.
(٤) لفظة "منذ" بين حاصرتين من المصدر السابق.