للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولبسوا الأسود، وصلَّى بهم أبو مسلم صلاة العيد، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة -وقيل: إن الذي صلَّى بالناس سليمانُ بنُ كثير (١) - بغير أذان ولا إقامة، وخطبَ بعدَ الصلاة، وكان بنو أميَّةَ يخطُبون قبل الصلاة، لينالوا من أمير المؤمنين قبل أن يتفرَّق الناس، ويُصلُّون بأذان وإقامة مخالفةً لسنَّة رسول الله .

وأوَّل من فعلَ ذلك مروانُ بنُ الحَكَم في أيَّام معاوية، فأخرجَ مسلمٌ عن طارق بن شهاب قال: خطب مروانُ يومَ العيد قبلَ الصلاة، فقام بعضُ الحاضرين فقال: يا مروان، أخْرَجْتَ المنبرَ يومَ العيد، ولم يخرجه رسولُ الله ، وخَطَبْتَ قبلَ الصلاة، وكان رسولُ الله وأبو بكر وعمر رضوان الله عليهما يخطبُون بعد الصلاة، فقال مروان: قد تُرك ذلك. قال أبو سعيد الخُدري: أمَّا هذا. فقد قضى ما عليه، سمعتُ رسول الله يقول: "مَنْ رأى منكم منكرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فإنْ لم يَسْتَطِعْ فبلسانه، فإنْ لم يَسْتَطِعْ فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (٢).

وكان بنو أميَّة يُكَبِّرون في الأولى أربعَ تكبيرات، وفي الثانية ثلاثَ تكبيرات، فخالفَهم أبو مسلم، فكَبَّرَ في الأولى ستَّ تكبيرات، وفي الثانية خمسَ تكبيرات (٣)، وهو مذهبُ ابنِ عبَّاس، وبه أخذَ الشافعيُّ (٤).

ثم أظهرَ أبو مسلم الرايةَ التي بعثَ بها إبراهيمُ إليه، ويُقال لها: السحاب، وقيل: الظّلّ، فمن قال: السحاب (٥)؛ فقال بأن السحاب يُطبِّقُ الأرضَ، فكذا دعوةُ بني العبَّاس، ومَنْ قال: الظِّلّ؛ تأوَّلَ أنَّ الناسَ يعيشون في ظل دولتهم (٦).


(١) القولان في روايتي "تاريخ" الطبري ٧/ ٣٥٥ و ٣٥٧.
(٢) صحيح مسلم (٤٩) والقصة فيه بنحوه، وينظر "مسند" أحمد (١١٠٧٣).
(٣) تاريخ الطبري ٧/ ٣٥٧.
(٤) ذكر النووي في "المجموع" ٥/ ٢٠ أن المعروف من نصوص الشافعيّ -وبه قطع الجمهور- أنه في الركعة الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام وسوى تكبيرة الركوع، وفي الثانية خمس تكبيرات، سوى تكبيرة القيام من السجود والهُوِيّ إلى الركوع. وينظر أيضًا "المغني" ٣/ ٢٧١ - ٢٧٢.
(٥) قوله: وقيل: الظل … إلى هذا الموضع، ليس في (خ) وهو من (د).
(٦) كذا ذكر المختصِر. والذي ذكره الطبري في "تاريخه" ٧/ ٣٥٦، وابن الأثير في "الكامل" ٥/ ٣٥٨ أن إبراهيم الإمام بعث بلواء يُدْعَى الظِّلّ، على رُمْح طوله أربعة عشر ذراعًا، وراية تُدْعَى السَّحاب على رُمْح طوله ثلاثة عشر ذراعًا.