للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمرَ أبو مسلم مَنْ داواه، وأحسنَ إليه، فلمَّا برئ، خيَّره أبو مسلم بين المقام عنده والدُّخول في الدعوة، وبين الرجوع إلى مولاه، فاختار الرُّجُوع، فأخَذَ عليه العهود أن لا يقاتلَه أبدًا، وخَلَّى سبيلَه، واستحلفه أن لا يكذب عليهم، وأن يحكيَ ما شاهد من أحوالهم.

فلمَّا قدم على نَصْر؛ قال له: لا أهلًا ولا سهلًا، وشَتَمَه وقال: واللهِ ما استبقاك القومُ إلا ليتَّخذُوك حُجَّةً علينا. فقال له يزيد: هو واللهِ كما ظننتَ، وقد استحلفوني أن لا أكذبَ عليهم، وأنا أقول واللهِ إنَّهم لَيُصلُّون الصلواتِ لمواقيتها، ويتلون القرآن، وبذكرون الله كثيرًا، ويدعون إلى الرِّضا من آل رسول الله ، وما أحسبُ أمرَهم إلا سيعلُو، ولولا أنَّك مولايَ أعتَقْتَني من الرِّقِّ؛ لما رجعتُ إليك، ولَأَقَمْتُ معهم.

وكانت هذه الحروبُ أوَّلَ الفتوح (١).

ولمَّا ظهر أبو مسلم تسارعَ إليه الناس، وكان الكِرْمانيُّ وشيبان الخارجيّ على نصر لا يكرهان ذلك (٢)؛ لأنه يدعو إلى خلع مروان، وكان أبو مسلم نازلًا في خِباء من شعر، ليس له حاجبٌ ولا بوَّاب، فمال الناس إليه، وعَظُم في عيونهم (٣).

وغلبَ خازم بن خُزيمة على مَرْوالرُّوذ، وقتلَ عاملَ نصر (٤).

ولمَّا وقعت هذه الواقعة والوقائع؛ كتب نصر إلى مروان يُخبرُه بخروج أبي مسلم وكثرة أتباعه، وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد (٥).

ويقال (٦): دَسَّ نَصْرٌ إلى أبي مسلم رجلًا أظهر أنه من شيعتهم حتى عرف الذين يكاتبُونه من الشام ويكاتبُهم، وبحث عن الدعوة، فأخبرَه أبو مسلم بذلك، ولم يعلم أنه دسيس (٧).


(١) ينظر ما سبق في "تاريخ" الطبري ٧/ ٣٥٨ - ٣٥٩.
(٢) يعني لا يكرهان أمرَ أبي مسلم. وينظر "تاريخ" الطبري ٧/ ٣٦٤.
(٣) المصدر السابق.
(٤) تاريخ الطبري ٧/ ٣٦٠، والمنتظم ٧/ ٢٧١.
(٥) تاريخ الطبري ٧/ ٣٦٩.
(٦) في (خ) و (د): وقال. وأثبتُّ اللفظة على الجادَّة.
(٧) بنحوه في "أنساب الأشراف" ٣/ ١٣٦.