للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا من نزَّه الأنبياء عن الصغائر فغير جائز لوجوه:

أحدها: ليكونوا على وجلٍ من الله إذا ذكروها فيجدون في الطَّاعة إشفاقًا منهم ولا يتكلمون على حالهم.

والثاني: ليعرِّفهم مواقعَ نعمهِ عليهم بالعفو عنهم.

والثالث: ليجعلهم قادة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله تعالى وترك الإياس من عفوه وفضله، بخلاف الكبائر فإنهم مُنَزَّهون عنها، إذ لا عذر لهم في ارتكابها لأنها تكون على وجه العناد.

واختلفوا في البرهان الذي رآه يوسف على أقوال:

أحدها: أن يعقوب مَثَلَ له فضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله، رواه سعيد عن ابن عباس. وقال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وابن سيرين وغيرهم: انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضًّا على إصبعه، قال ابن جبير: فكل ولد يعقوب وُلد له اثنا عشر ولدًا، إلَّا يوسف فإنَّه ولد له أحد عشر من أجل ما نقص من شهوته حين رأى صورة أبيه واستحيى منه. وقال قتادة: قال له يعقوب: يا يوسف، تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء؟! وقال ابن أبي مليكة عن ابن عباس: قال له يعقوب: يا يوسف، تزني فتكون كالطير وقع ريشه، فيذهب ليطير ولا ريش (١).

والثاني: أنَّه رأى كتابًا في حائط البيت فيه مكتوبًا: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٣٢] الآية، قاله محمد بن كعب القرظي.

والثالث: أنَّه لما قعد منها مقعد الرجل من أهله بدت له كفٌّ ليس فيها عضد ولا معصم عليها مكتوب: ﴿وَإِنَّ عَلَيكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: ١٠ - ١٢] فقام هاربًا عنها وقامت، فلما ذهب الرعبُ منهما عادا، فلما قعده منها مقعد الرجل من أهله بدت الكفُّ وفيها مكتوب: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨١] الآية، فقام هاربًا وقامت، فلما ذهب عنهما الرعب عاد وعادت، فلما قعد منها مقعد الرجل من إمرأته قال الله لجبريل أدركْ عبدي قبل أن يصيبَ


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ١٢٢.