للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما قدم أبو جعفر تَحوَّلَ له الحسن عن سُرادقه فأنزله فيه، وأقاموا يقتتلون أيَّامًا، وثبتَ مَعْنُ بنُ زائدة مع ابنِ هُبيرة، وطال الحصارُ عليهم (١).

وكان أبو جعفر يقول: ابنُ هبيرة يُخندقُ عليه مثل النساء. وبلغَ ابنَ هُبيرة، فأرسلَ إليه: أنتَ القائل كذا وكذا؟ ابرُزْ إليَّ لترى. فأرسلَ إليه أبو جعفر: ما أجدُ لي ولك مَثَلًا إلا كأسد لَقِيَ خنزيرًا، فقال له الخنزير: بارِزْني. فقال الأسد: ما أنتَ لي بكُفْء، فإنْ بارزتُك فنالني منك سوء؛ كان عارًا، وإنْ قتلتُك قتلتُ خنزيرًا، فلم أحصل على حَمْد، ولا في قتلك فخر، فقال: لئن لم تُبارزني لأُعَرِّفَنَّ السباع أنك جَبُنْتَ عني. فقال الأسد: احتمالُ عارِ كذبِك أيسرُ من تلطيخ ترابي بدمك (٢).

ثم إنه كاتبَ القُوَّاد (٣) وفيهم ابنُ هُبيرة، فطلبَ الصُّلْح، فأجابَه أبو جعفر وكتبوا كتاب الصلح والأمان، وبعثه أبو جعفر إلى أبي العباس فأمضاه، وكتب فيه: فإنْ غَدَرَ ابنُ هبيرة، أو نكثَ، فلا عَهْدَ له ولا أمان (٤).

وكان من رأي أبي جعفر الوفاء له، وكان أبو العبَّاس لا يقطعُ أمرًا دون أبي مسلم، وكان أبو مسلم قد جعلَ أبا الجهم عينًا له على أبي العبَّاس، فشاور أبا مسلم في ابنِ هُيبرة فقال: اقْتُلْه (٥).

ولمَّا عاد أبو جعفر من واسط؛ مضى إلى الجزيرة، فأقام بها.

ووَلَّى أبو العبَّاس أخاه يحيى بنَ محمَّد على الموصل، وعزلَ عمَّه داود [بن علي] عن الكوفة، وولَّاه مكةَ والمدينة واليمن [واليمامة]، وولَّى عيسى بن موسى الكوفةَ، فاستقضى ابنَ أبي ليلى.


(١) ينظر "أنساب الأشراف"، و"تاريخ" الطبري ٧/ ٤٥١.
(٢) أنساب الأشراف ٣/ ١٧٢، وتاريخ الطبري ٨/ ٧٨، والكامل ٦/ ٣١ (أحداث سنة ١٥٨ - ترجمة المنصور).
(٣) لعل الضمير يعود على أبي العباس، ففي "تاريخ" الطبري ٧/ ٤٥٤: وكاتب أبو العباس اليمانيَّة من أصحاب ابنِ هُبيرة وأطمعهم.
(٤) أنساب الأشراف ٣/ ١٦٤.
(٥) في الكلام اختصار مُخلّ، وعبارة الطبري توضّح ذلك، ولفظها: وكان أبو الجهم عينًا لأبي مسلم على أبي العباس، فكتب إليه بأخباره كلها، فكتب أبو مسلم إلى أبي العباس: إن الطريق السهل إذا أُلقيت فيه الحجارةُ فَسَدَ، لا واللهِ لا يصلح طريق فيه ابنُ هُبيرة.