للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما حصل الرأس بين يدي السفَّاح؛ سجد وقال: الحمدُ لله الذي أظهرني عليك، وأظفرني بك، ولم يبق ثأري قبلك، وما أُبالي لو متُّ الساعة، قتلتُ بالحسين مئتي رجل من أعيان بني أمية، وأحرقتُ شِلْو هشام بابن عمِّي زيد، وقتلتُ مروان بأخي إبراهيم. وأنشد:

لو يشربون دمي لم يُرْو شاربَهُمْ … ولا دماؤهُمُ جَمْعًا تُرَوِّيني (١)

وتصدَّق بعشرة آلاف دينار.

ثم قال للدَّين حوله: أيكُّم يعرفُ هذا الرأس؟ فلم ينطق أحد. فقام أبو جَعْدة بنُ هُبيرة المخزومي -وكان من الأشراف- فمشى إلى الرأس، فتأمَّلَهُ وقال: أنا واللهِ أعرفُه، هذا رأسُ خليفتنا أبي عبد الملك بالأمس. فقال له أبو العباس: متى ولد؟ قال: في سنة ستٍّ وسبعين. وتغيَّظَ من كان حاضرًا حيث كنَّاه. قال أبو العبَّاس: وفي لصاحبه، ولو أوليناه خيرًا لَكان لنا أشْكَرَ (٢).

وأمَّا البُرْدَة والقضيب والمِخْضَب والقَعْب؛ فتوارثَه بنو العبَّاس إلى أيام المقتدر، فحارَبَه مؤنس، فركب المقتدر لقتاله إلى الشَّمَّاسيَّة والبُرْدَةُ عليه، وبيده القضيب، فانهزمَ عنه عسكرُه، ونزلَ رجلٌ من أصحاب مؤنس، فقطع رأسَ المقتدر وحملَه إلى مؤنس، وأخذَ البُرْدَةَ والقضيب، فكان آخرَ العهد بهما لا يُدْرَى ما أصابَهما.

وجاء عامر بن إسماعيل إلى باب الكنيسة وقال: أخْرِجُوا إليَّ أكبرَ بناتِ مروان، فخرجت وهي تُرْعَد، فقال: "لا بأس عليك. فقالت: وأيُّ بأسٍ أعظمُ من إخراجكَ إيَّايَ حاسرةً، ولم أرَ رجلًا قطّ. فيقال: إنه وضعَ رأسَ مروان في حِجْرها، فصرخَتْ، فقال: كذا فعلتُم برأس زيد بن علي؛ وضعتُموه في حِجْر زينب بنت علي (٣).

وبعث صالح إلى عامر يأمره أن لا يتعرَّض لأحد من حريم مروان (٤)، وأن يُحْمَلْنَ إلى فُسطاطه، وكان بمصر، فحُملن إليه، فتكلمت الكبرى: فقالت: يا عمَّ أميرِ


(١) في "مروج الذهب" ٦/ ١٠١، و"الأغاني" ٤/ ٣٤٣: للغيظ تُرويني.
(٢) الخبر في "مروج الذهب" ٦/ ١٠١ - ١٠٤ بأطول منه، وينظر أيضًا "الأغاني" ٤/ ٣٤٣. وأبو عبد الملك كنية مروان.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) في (د): أن لا يتعرَّض أحد لحريم مروان.