للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: رأيتُ في المنام كأنَّ عاتكةَ بنت يزيد (١) بن معاوية على منبر دمشق ناشرةً شَعْرَها تنوح وتقول:

أينَ الشبابُ وعيشُنا اللَّذُّلذي (٢) … كُنَّا به زَمَنًا نُسَرُّ ونَجْذِلُ

ذَهَبَتْ بَشَاشَتُهُ وأصبحَ ذِكْرُهُ … أَسَفًا يُعَلُّ به الفؤادُ ويُنهَلُ

قال عثمان: فلم يكن بين هذا المنام وزوال ملك بني أمية إلا أقل من شهرين.

والبيتان للأحوص من قصيدته التي يقول فيها:

يا بيتَ عاتكةَ التي أتَعَزَّلُ (٣)

ثم استقضى المنصورُ عثمانَ على العراق، فمات بالحِيرة قبل أن يبنيَ بغداد (٤).

واستقضى مروان سليمان بن عبد الله بن عُلاثة (٥).

وأما كاتبُه فعبد الحميد بن يحيى بن سعد العامري مولى بني عامر بن لؤي، وكان معلِّمًا، وهو الذي يُضرب به المَثَلُ في الكتابة.

وقد أشار بعض الشعراء إليه ومدح بعض الوزراء فقال:

البَدْرُ يَخْجَلُ من مُنائِكْ … والبَحْرُ يَدْهَشُ من عَطائِكْ

يا سيِّد الوزراءِ مِنْ عَبْـ … ــــدِ الحميدِ ومن أولئكْ

ما أحوجَ الدنيا إلى خَرْ … قِ العوائدِ من بقائكْ

وأصل عبد الحميد من الأنبار، وسكن الرَّقَّة، وأستاذُه في الكتابة سالم مولى هشام بن عبد الملك، وهو صاحب الرسائل والبلاغات؛ قال له مروان لمَّا رأى دولتَه قد أدبرت: القومُ محتاجون إليك لأدبك، فإن إعجابهم بك يدعوهم إلى حُسن الظن بك، فاستأمِنْ إليهم، وأَظْهِر الغَدْرَ بي، فلعلك تنفعني في حياتي أو بعد وفاتي في حُرَمي، فأنشده:


(١) في المصدر السابق: عاتكة بنت عبد الله بن يزيد.
(٢) في (خ) و (د): الماضي اللّذّ. والمثبت من "تاريخ دمشق" ٤٧/ ١٠ (طبعة مجمع دمشق) والخبر فيه. وكذا هي رواية البيت في "الأغاني" ٢١/ ١١٢ والخبر فيه بنحوه. وينظر "ديوان" الأحوص ص ١٥٢ - وما بعدها.
(٣) وعجزُه: حَذَرَ العِدَى وبه الفؤاد موكَّلُ. وتنظر المصادر السابقة.
(٤) تاريخ دمشق ٤٧/ ١٠ (طبعة مجمع دمشق).
(٥) العقد الفريد ٤/ ٤٦٩.