للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي رواية: كتب أبو مسلم إلى أبي العباس يستأذنُه في الحجّ، فأذِنَ له، وكتب إليه أن اقدم في خمس مئة من الجند، فكتب أبو مسلم: إني قد وتَرت (١) الناس، فلا آمنُ على نفسي، فكتب إليه: فأقبِل في ألف، فإنما أنتَ في سلطان أهلك، وطريقُ مكة لا تحمل العسكر، فشخَص ثمانية آلاف فرَّقهم فيما بين نيسابور والرَّي، وقدم بالأموال والخزائن، فجعلها في الرَّي، ثم قدم في ألف، وكان أبو جعفر على الجزيرة وإرمينية وأذربيجان، فاستأذن أخاه في الحج فأذنَ له، فقدم عليه، واستخلف على عمله مقاتل بن حكيم العكِّي.

ولما دخل أبو مسلم على أبي العباس كان عنده أخوه أبو جعفر، فلم يُسلِّم عليه أبو مسلم، فقال له أبو العباس: يا أبا مسلم، هذا أخي أبو جعفر، فقال: إنَّ مجلس أمير المؤمنين لا تُقضي (٢) فيه الحقوق.

قال أبو اليقظان: كتب أبو مسلم إلى أبي العباس يستأذنُه في الحجِّ، فكتب إليه: الجهادُ أفضل. فكتب إليه: إني حججتُ بغير مالي، ولا بد لي منه، فأذِنَ له، فسار إلى العراق، وقال في طريقه لخواصِّه: إني أرجو أن يموت أبو العباس، فأغلِبَ على الأمر. وكتب عيونُ أبي العباس إليه بذلك، فلما دخل عليه رأى من أبي العباس جفوة، فلما شاوره أخوه، وأشار بقتله، علم أنَّ أبا جعفر فيه على الصواب، وعزم على قتله، ثم توقَّف.

وقال أبو الهيثم: إنما قصد أبو مسلم بالحجِّ أن يصلِّي بالناس، ويقف بعرفة، وفهم أبو العباس، فكتب إلى أخيه أبي جعفر، وكان بالجزيرة: إن أبا مسلم قد استأذن للحج، وهو يظنُّ أني أوليه الموسم، فاقدَم حاجًّا؛ لئلا يقدَم، فقدِم أبو جعفر، واستخلف على أرمينية الحسن بن قحطبة، وقدم بعده أبو مسلم، فقال: ما وجد أبو جعفر عامًا يحجُّ فيه غيرَ هذا؟ ثم سار أبو جعفر وأبو مسلم إلى الحجّ.

قال هشام: فكان أبو مسلم يتقدَّم أبا جعفر بمرحلة، فكان يحفر البِرَكَ والمصانع، ويتصدَّق، ويحمل المنقطعين، فكان الصِّيت والذِّكر له، ولما انقضى الحجُّ نفر أبو


(١) في (د) و (خ): زبرت، والمثبت من الطبري ٧/ ٤٦٩، والمنتظم ٧/ ٣٣٣.
(٢) في (د): لا يقصر، وهي في (خ) غير منقوطة، والمثبت من: نساب الأشراف ٣/ ١٨٨.