للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال البلاذري: بعث أبو جعفر مرزوقًا أبا الخصيب إلى أبي مسلم ليحصي أموال عبد الله، فغضب أبو مسلم وقال: ما لأبي جعفر ولهذا؟! وإنَّما له الخمس، فقال له مرزوق: هذا مال أمير المؤمنين دون الناس، وليس سبيل هذا سبيل الخمس، فشتمَه وهمَّ بقتله، ثم أمسك.

وبعث أبو جعفر يقطين بن موسى إلى أبي مسلم في هذا الأمر، فلمَّا دخلَ عليه قال أبو مسلم: أفعلها ابنُ سلَّامة الفاعلة؟ لا يَكني، فقال له يقطين: عجلت أيُّها الأمير، إنَّما أمرني أمير المؤمنين أن أَحصيَ ما في عسكر الناكث، ثم أسلِّمه إليك ترى فيه رأيك، وإنَّما قصدَ أن يعلم ما فيه.

ثمَّ عاد يقطين إلى أبي جعفر وأخبرَه بشتمه إيَّاه وتنقصِه به، وقال: إنَّه على عزم المضي إلى خراسان عاصيًا مخالفًا (١).

فخرج أبو جعفر من الأنبار من وقته، فنزل المدائن، وكتبَ إلى أبي مسلم ليقدم عليه، فوافاه كتابه وهو على الزاب، فكتب [إليه]: أما بعد، فإنَّه لم يبق لأمير المؤمنين عدوٌّ إلَّا أمكنَه الله منه، وقد كنَّا نروي عن ملوك ساسان أنَّ أخوفَ ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء، ونحن نافرون من قربك، حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت، حريُّون بالسمع والطاعة، غير أنها من بعيد حيث تقارنها السلامة، فإن أرضاكَ ذاك فأنا كأحسن عبيدك، وإن أبيتَ إلَّا أن تعطي نفسك إرادتها نقضنا ما أبرمنا بنفوسنا (٢)، والسلام.

فلما قرأ أبو جعفر الكتاب وقيل له: قد سلك طريق حلوان، فقال: رُبّ أمرٍ لله دون حلوان، وكتب إليه: أما بعد، فليست صفتك صفة أولئك الوزراء الغاشّة لملوكهم، الذين يتمنون اضطرابَ الدُّوَل لكثرة جرائمهم، وإنَّما راحتُهم في انتشار نظام الجماعة، فلمَ سوَّيتَ نفسَك بهم، وأنت في طاعتك ومناصحتك واضطلاعك بما حملتَ من أعباء هذا الأمر على ما أنت به! وقد حمّل إليك أمير المؤمنين عيسى بن موسى رسالةً


(١) أنساب الأشراف ٣/ ٢٣٠ - ٢٣١.
(٢) في تاريخ الطبري ٧/ ٤٨٣، والكامل ٥/ ٤٧٠: نقضت ما أبرمت من عهدك ضنًّا بنفسي.