للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعمارُهم، وبلغُوا الغاية فيما عانوه، فأوَّلُهم الإسكندر الرومي، وابن المقفع صاحب الفصاحة، وسيبويه في علم العربية، وأبو تمام في الشعر وعلومه، وإبراهيم النظَّام في المعمَّق في علم الكلام، وأبو مسلم وغيرهم (١).

وقال الهيثم (٢): قيل لعبد الله بن المبارك: أبو مسلم كان خيرًا أم الحجاج؟ فقال: لا أعلم (٣) أن أبا مسلم كان خيرًا من أحد، ولكن قولوا: الحجَّاجُ شرٌّ منه.

قال المدائني: ولو لم يكن من قتلاه إلَّا إبراهيم الصائغ، وكان بينه وبين أبي مسلم عهدٌ من مبتدأ الدعوة أن يعملَ بالحقّ، فلما ملكَ أبو مسلمٍ بسطَ يده وظلمَ وفتك وقتل من لا يجوزُ قتلُه، فنهَاه مرارًا فلم ينته، فدخل عليه يومًا وقال: قد تعدَّيتَ طورَك وفعلتَ وفعلت، فقال له أبو مسلم: فأينَ كنتَ عن نصر بن سيار وهو يبعثُ إلى الوليد بن يزيد بزقاق الخمر؟ قال: لم يكن لي مع نصر عهد، وزقاقُ الخمر أهونُ من سفك الدماء.

وكان أبو حنيفة النعمان بن ثابت قد حدَّث إبراهيمَ عن حمَّاد (٤) عن عكرمة عن ابن عباس أن النبيَّ قال: "سيدُ الشهداء عمِّي حمزة، ثمَّ رجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ، فأمَره ونهاه، فقتله على ذلك".

ولمَّا حدثه بهذا الحديث قال له: قم يا أبا حنيفة حتى تدخل على أبي جعفر (٥) فتأمره وتنهاه. قال: إنِّي ضعيف، قال: فأكتبه لي فكتبه [له]، فخرجَ به إلى خراسان، فدخل على أبي مسلم، فأمَره ونهاه، فقال له: قد قبلنا، فهل لك أن تجلس في بيتك؟ فقال: لا، فأمرَ بقتله، فاختصَم فيه ثلاثة، فقال إبراهيم: لا تختصموا كلُّكم شريك، فضربَه رجلٌ، فلم يُجد الضرب، فبقي حلقومه معلَّقًا فرموه في بئر، فكان يُسمع أنينه ثلاثة أيام.


(١) المنتظم ٨/ ١٨ - ١٩.
(٢) الخبر في تاريخ دمشق ٤١/ ٤٠٥ عن حفص بن حميد. بدل: الهيثم.
(٣) في تاريخ دمشق: لا أزعم.
(٤) قوله: عن حماد. وهمٌ، فالحديث في تاريخ دمشق ٤١/ ٣٩٤، وفيه أن أبا حنيفة قال: أنا حدثت إبراهيم الصائغ عن عكرمة .. وكذا أخرجه الطبراني في الأوسط (٤٠٧٩) وقال الطبراني بعده: لم يرو هذا الحديث عن عكرمة إلا أبو حنيفة.
(٥) كذا.