للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الغِمد، وإن عبد الله بن مسلم بايعَنا وبايعَ لنا على أن من نكثَ بنا (١) فقد أبيح دمه، ومن نكثَ فإنَّما يَنكُثُ على نفسه، وقد حكمنا عليه حكمه على غيره لنا ولم يمنعنا إقامة الحقّ له من إقامتهِ عليه.

قال الصُّولي: وقال: [و] لا تمشوا في ظلمة الباطل بعد سعيكم في ضياء الحقّ، ألا وإنَّ أبا مسلم أحسنَ مبتدِئًا وأساءَ مُعْقِبًا، وأخد من الناس بنا أكثر ما أعطانا، ورجح قبيحُ باطنه على مليح ظاهوه، وعلمنَا من خُبْثِ نيَّته وفساد طَويَّته وسريرته ما لو علم اللائمُ لنا في قتلهِ لعَذَرَنا وعنَّفنا [في إمهاله]، وما زال ينقضُ بيعَته ويخفرُ ذمَّتَهُ حتى حكمنَا فيه حكمَه في غيره، ولله درُّ النابغة الذبياني حيث يقول: [من البسيط]

ومن أطاعك فانفعه بطاعتِه … كما أطاعَكَ وادلُلْهُ على الرَّشَدِ

ومن عصاكَ فعاقبهُ معاقبةً … تَنهى الظلومَ ولا تقعدْ على ضَمَدِ (٢)

وعزم المنصورُ على قتل خواصِّ أبي مسلم، منهم أَبو إسحاق صاحب حرسه، ونصر بن مالك (٣) صاحب شرطته، فقال له أبو جهم: يا أمير المؤمنين، الجندُ جندُك، أمرتَهم بطاعته فأطاعوه، فدعا أبا إسحاق، فقال له: أنت المتابع لعدوِّ الله فيما كان يفعل، فأخذَ يلتفتُ يمينًا وشمالًا، يظنُّ أنَّ أبا مسلم في الحياة، فقال له أبو جعفر: تكلَّم، فقد قُتِل الفاسق، وأمر بإخراجه مقطَّعًا، فخرَّ أبو إسحاق ساجدًا وقال: الحمد لله، والله ما أمنتُه يومًا واحدًا، وما تجئته قط إلا وقد أوصيتُ وتحنطتُ وتكفَّنت. ودعا بمالك بن الهيثم وكلَّمه بمثل ذلك، فاعتذر إليه، فقال: فرِّقوا جندَ الفاسق.

وبعث لقواده بجوائز سنية، وأرضَى جندَه.

وكان قد ترك جندَه بحُلوان، وقدم على أبي جعفر في ثلاثة آلاف، وكان قد خلف على خزانته أبا نصر خازنه وصاحب رأيه، فخالف أبا جعفر ومضى إلى خراسان، ثم حُمِلَ إليه بعد ذلك، فقال: أنت الذي أشرتَ على أبي مسلم أن يمضي إلى خراسان؟


(١) في (خ): منا. وفي تاريخ بغداد: ١١/ ٤٧٠، وتاريخ دمشق ٤١/ ٤٠٤: نكث بيعتنا.
(٢) تاريخ دمشق ٤١/ ٤٠٥. والبيتان في ديوان النابغة ص ٣٣، والضمد هو الحقد. انظر اللسان (ضمد).
(٣) في تاريخ الطبري ٧/ ٤٩٢: أبو نصر مالك. ولعلها الصواب. والمثبت من النسخ، والمنتظم ٨/ ١٣، والسير ٦/ ٦٧.