للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: نعم، كانت له عندي أيادي وصنائع، فاستشارني فنصحتُه، وأنت يا أمير المؤمنين إن اصطنعتني نصحتُ لك، فعفا عنه.

وقال أبو الفرج بن الجوزي في "المنتظم": كان أبو الجهم عينًا لأبي مسلم على المنصور، فعطشَ يومًا، فأمرَ له المنصور بقدحٍ فيه سويقُ لوز وسكَّر، وفيه سمّ، فشربَه، فلما استقر في جوفه أحسَّ بالموت، فقام مسرعًا، فقال له المنصور: إلى أين؟ قال: إلى حيث أرسلتني، فلما وصل إلى رحله مات، فقال الشاعر:

تجنَّب سويقَ اللوز لا تقربنَّه (١) … فشُرْبُ سويقِ اللوز أَردى أبا الجهم

وذهبت شربة أبي جهم مثلًا للشيء الطيِّبِ الطعم الخبيثِ العاقبة (٢).

وقال الهيثم: قال أبو جعفر: ثلاثٌ كنَّ في صدري شفاني الله منها؛ كتاب أبي مسلم إليَّ وقد مات أخي وبويع في: عافانا الله وإياك، وتقدُّمه إيايَ في طريق مكة (٣)، وضربُ سليمان بن حبيب بن المهلَّب ظهري بالسِّياط.

وقال البلاذري: كان أبو جعفر يقول: أخطأتُ ثلاثَ مرات ووقاني الله شرَّها، قتلتُ أبا مسلم وحولي من يقدم طاعتَه على طاعتي، فلو وثبوا بي لذهبتُ ضياعًا، ويوم الريوندية خرجتُ بنفسي، فلو أصابني سهمٌ غَرْب لذهبت ضياعًا، وخروجي إلى الشام، ولو اختلفَ بالعراق سيفان لذهبت الخلافةُ ضياعًا (٤).

ثم سار أبو جعفر إلى الحيرة، فأقام بها ثلاثًا ثم توجّه إلى الأنبار.

* * *


(١) في (خ): لا تشربنه.
(٢) المنتظم: ٨/ ١٥.
(٣) في عيون الأخبار لابن قتيبة ١/ ٢٦، والمنتظم ٨/ ١٥، بدل: وتقدمه إياي في طريق مكة: ودخول رسوله علينا وقوله: أيكم ابن الحارثية.
(٤) أنساب الأشراف ٣/ ٢٣٧.