وقالت له امرأته: قد هجمَ الشتاء علينا، ولابد لنا مما يصلحُنا من الثياب والطعام والحطب فقال: من هذا كلّه بدّ، ولكن خذي فيما لا بد منه، الموت، ثم البعثُ، ثم الوقوفُ بين يدي الله تعالى، ثمَّ الجنَّة أو النَّار.
وقال: إنّي لأدعو الله في صلاتي حتى بالملح.
وكان له حمار يركبُه إلى مسجد رسول الله ﷺ لشهود الصلوات.
وقال: ما مضى من الدنيا فحُلم، وما بقي فأماني.
وقال: لا يحسنُ عبدٌ فيما بينه وبين ربّه إلَّا أحسنَ ما بينه وبين خلقه، ولا يعور ما بينه وبين ربه إلَّا عوَّر الله ما بينه وبين خلقه، ولمصانعةُ وجهٍ واحد أيسرُ من مصانعة الوجوه كلِّها، إنَّك إذا صانعتَ هذا الوجهَ مالت إليك الوجوهُ كلُها.
وقال: إذا رأيتَ الله ﷿ يتابعُ نعمَه عليك وأنت تعصيه فاحذره.
وقال: كلُّ نعمةٍ لا تتقرَّب بها إلى الله تعالى فهي بليَّة.
وكتب إلى الزهريّ: عافانا الله وإيَّاك أبا بكير من الفتن، فقد أصبحتَ بحالٍ ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمَك، أصبحت شيخًا كبيرًا، قد أثقلتكَ نعمُ الله عليك، بما أصحَّ من بدنك، وأطال من عمرك، وعلمت حُججَ الله بما علَّمك من كتابه، وبما فقَّهك من دينه، وفهَّمكَ من سنة نبيِّه ﷺ، فرمى بك في كلِّ نعمةٍ أنعمَها عليك، وكل حُجةٍ يحتجُّ بها عليك الغرضَ الأقصى، ابتلى في ذلك شكركَ، وأبدى فيه فضلَه عليك، وقد قال الله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٧] فانظر أيّ رجلٍ تكون إذا وقفتَ بين يديه وسألك عن نِعَمه عليك كيف رعيتها؟ وعن حججه كيف قضَيتها؟ ولا تحسبنَّ الله راضيًا منك بالتعذير، ولا قابلًا منك التقصير، فإنَّ الله تعالى أخَذَ ميثاقَه على العلماء ليُبَيننَّه للناس ولا يكتُمونَه، وإنَّ أدنى ما ارتكبتَ وأعظم ما احتقبت أنَّك آنستَ الظَّلمَة، وسهَّلت لهم طريقَ الغيّ بدنوِّك حيث أُدنيت، وإجابتك حين دُعيت، فما أخلقَك أن ينوَّه غدًا باسمك مع الظلمة، وأخذك ما ليس لمن أعطاك، جعلوك قطبًا تدورُ عليه رَحى باطِلهم، وجسْرًا يعبرون عليك به إلى بلائهم، وسُلَّمًا إلى