ضلالتهم، يُدْخِلُون بك الشك على العلماء، ويقتادونَ بك قلوب الجهَّال إليهم، فما أيسرَ ما عَمروا لكَ في جنْب ما خرَّبوا عليك، وما أقلَّ ما أعطوك في قدْر ما أخذوا منك، فانظر لنفسك، وحاسبها، واستقِلِ العثرةَ، فما يؤمنك أن تكونَ من الذين قال الله في حقهم. ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ [الأعراف: ١٦٩].
إنَّك لست في دار مقامٍ، قد أُوذِنت بالرحيل، فما بقاءُ المرء بعد أقرانه؟ طوبى لمن كان منها على وجَلٍ، فتجهَّز فقد دنا السفر، وداوِ (١) دينَك فقد سقم، ولا تحسبنَّ أنِّي أردتُ تعنيفك وتعييرك، ولكن أردتُ إيقاظَك، وقد قال الله ﷾: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)﴾ [الذاريات: ٥٥] ونحمدُ الله إذ عافانا ممَّا ابتلاكَ به، والسلام.
ومن كلامه: عند تصحيح الضمائر تغفرُ الكبائر، وإذا عزمَ العبد على ترك الآثام أتته الفتوح.
وما في الدنيا شيءٌ يسرُّك إلَّا وقد أُلزِق به شيءٌ يسوؤك.
وقال: إنَّ العبدَ ليعملُ الحسنةَ تسرُّه حين يعملُها، وإنَّها أضرُّ عليه من سيئة يعملها، وإنَّه ليعملُ السيئةَ تسوءه حين يعملُها، وهي أنفعُ له من الحسنة التي عملَها؛ لأنَّه إذا عملَ حسنةً يرى أن له فضلًا على غيره، ولعلَّ الله يحبطُها، ويعمل السيئةَ فتحدثُ له خوفًا ووجلًا.
وقال: وجدتُ الدنيا شيئين؛ فشيءٌ هو لي لا أقدرُ على تعجيله قبل أجله، ولو طلبتُه بقوَّةِ أهل السماوات والأرض، وشيءٌ هو لغيري، لا أنالُه فيما مضى، ولا أرجوهُ فيما بقي، ففي أيِّ هذين أفني عمري؟
وكان يمرُّ بالفاكهة فيقول: موعدُك الجنة.
ومرَّ بجزَّارٍ فقال له: يا أبا حازم، خذ من هذا اللحم فإنه جيِّد، فقال: ما معي درهم، فقال: أنا أُنظِرك، فقال: فأنا أنظرُ نفسي.
ودخلَ مسجد دمشق فوسوسَ له الشيطانُ: إنكَ على غير وضوء، وإنَّك أحدثتَ بعد وضوئِك، فقال: ما بلغ نصحك إلى هذا الحد!
(١) في (خ) و (د): دار. والمثبت من (ب) وحلية الأولياء ٣/ ٢٤٩، وصفة الصفوة ٢/ ١٦٣.