للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يبكي ويمسح بدموعه وجهه فقيل له: لم تفعل هذا؟ فقال: بلغني أنَّ النار لا تصيب موضعًا أصابَه الدمعُ من خشية الله تعالى.

واجتمع الزهريُّ وأبو حازم عند سليمان بن عبد الملك، فقال له سليمان: ما تقول في العلماء؟ فقال: أدركت العلماء وقد استغنوا بعلمهم عن أهل الدنيا، ولم يستغنِ أهلُ الدنيا بدنياهم عن علمهم، فلمَّا رُئي هذا وأصحابه -وأشار إلى الزهريّ- تعلَّموا العلمَ لينالوا به الدنيا، إنَّ هذا وأصحابَه ليسوا بعلماء، وإنَّما هم رواة -وكان سليمان متكئًا، والزهريُّ عند رجليه- كان السلاطين يطلبونَ العلماء فيفرُّون منهم، واليومَ العلماءُ يطلبون الأمراء فيهربون منهم.

وقال الأصمعي: بينا أبو حازم يطوف بالبيت، وإذا بامرأةٍ قد سفرَتْ عن وجهها وهي تطوف وقد فتنت الناس بحسنها، فقال لها: يا أمةَ الله ألا تستري وجهك؟! فقالت: يا أبا حازم، أنا من النساء اللواتي قال فيهن الشاعر: [من الطويل]

من اللَّاءِ لم يحججنَ يبغين حسبة … ولكن ليقتلنَ البريء المغفَّلا

وتُعمي بعينيها القلوبَ إذا بدت … لها نظرٌ لم يخطِ للحَيِّ مقتلا

فأقبل أبو حازم على أهل الطواف وقال: يا أهلَ بيت الله، تعالوا ندع الله ﷿ أن لا يعذِّبَ هذا الوجه بالنار. وبلغَ سعيدَ بن المسيب فقال: لو كانَ من أهل العراق قال: يا عدوَّة الله، ولكن ظُرْفُ أهل الحجاز.

وقال سفيان بن عيينة: كان أبو حازم ينشد: [من البسيط]

الدَّهرُ أدَّبني والصبرُ ربَّاني … والقوتُ أقنعنِي واليأسُ أغنانِي

وأحكمتني من الأيَّام تجربةٌ … حتَّى نهيتُ الذي قد كان ينهانِي

وقال سليمان العمري: رأيتُ أبا جعفر القاري في المنام وهو على الكعبة، فقلت له: يا أبا جعفر، قال: نعم، أقرئ إخواني مني السلام، وأخبرهم أن الله ﷿ جعلني مع الشهداء الأحياء المرزوقين، وأقرئ أبا حازم السلام وقيل له: يقول أبو جعفر: الكَيْس الكَيْس، فإنَّ الله وملائكته يَتَراءَونَ (١) مجلسك بالعشيات.


(١) في النسخ: يتزاورون. والمثبت من تاريخ دمشق ٧/ ٤٨٦ (مخطوط)، وصفة الصفوة ٢/ ١٦٧، والمنتظم ٨/ ٣٥.