مَارَ أهلَه يميرُهم مَيرًا ﴿وَنَحْفَظُ أَخَانَا﴾ بنيامين ﴿وَنَزْدَادُ كَيلَ بَعِيرٍ﴾ أي: من أجله ﴿ذَلِكَ كَيلٌ يَسِيرٌ﴾ [يوسف: ٦٥] لا كلفةَ فيه ولا مشقة.
وحكى الثعلبي عن مجاهد في قوله تعالى: ﴿حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ أي: حمل حمار، قال: وهي لغة، يقال للحمار: بعير، ولم يكن بأرض كنعان جمال وإنما كانت الحمير.
فقال: ﴿قَال لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ﴾ أي: ميثاقًا ﴿لَتَأْتُنَّنِي بِهِ﴾ وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: حتَّى تحلفوا لي أن لا تغدروا بأخيكم ﴿إلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ﴾ فتهلكوا جميعًا، وقال قتادة: إلا أن تُغلبوا حتَّى لا تطيقوا ذلك ﴿فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ﴾ أي: أعطوه عهودهم ﴿قَال اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [يوسف: ٦٦] أي: شاهد وحافظ بالوفاء، وقيل: كفيل، ولما خرجوا من عنده قال لهم: ﴿لَا تَدْخُلُوا﴾ مصر ﴿مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ﴾.
فإن قيل: فالدخول من باب واحد أكثر في الهيبة، فالجواب من وجوه:
أحدها: أنَّه خاف عليهم العين لأنهم كانوا ذوي جمالٍ وهيبة وصورٍ حسان وقاماتٍ ممتدة، وكانوا ولد رجل واحد، فأمرهم أن يتفرقوا عند دخولها لئلا تصيبهم العين.
والثاني: أن معناه: لا تسألوا الملك حاجةً واحدة بأجمعكم، بل كل واحد يسأله حاجة.
والثالث: تفرقوا لعلكم تظفرون بيوسف، ثم قال: ﴿وَمَا أُغْنِى عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيءٍ﴾ ومعناه: أن المقدور كائن، وأن الحذر لا ينفع من القدر ﴿إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [يوسف: ٦٧] أي: المفوِّضون.
قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ﴾ وكان لمصر أربعة أبواب، فدخلوها من أبوابها كلِّها ﴿مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيءٍ﴾ أي: من قَدَره ﴿إلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا﴾ والحاجة: هي شفقتُه عليهم من العين ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ يعني يعقوب ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٦٨].
فإن قيل: فكيف جاز ليوسف أن يفرِّقَ بين يعقوب وبين بنيامين، مع علمه بما في قلب أبيه من الحزن عليه وأنه يتسلَّى به.