فالجواب من وجوه: أحدها: أنَّه قصد تنبيه يعقوب بذلك على حياة يوسف.
والثاني: أنَّه قصد سرور يعقوب بردِّ يوسف وأخيه عليه جملة. والثالث: أن هذه التفرقة تكون سببًا للوصلة.
ولما دخلوا على يوسف ومعهم بنيامين قال لهم: أهلًا وسهلًا بكم، وأكرم مثواهم وقال: سوف أفعل معكم ما ترون. وقال ابن الكلبي: لما دخلوا عليه قالوا: هذا أخونا الَّذي أمرتنا أن نأتيك به، فأجلس كل اثنين منهم على مائدة، وبقي بنيامين وحده يبكي ويقول: لو كان أخي يوسف حيًّا لأجلسني معه. فقال يوسف: قد بقي أخوكم هذا وحيدًا، فأَجْلَسه معه على مائدته وأكل معه، ثم فرش لكلِّ اثنين فراشًا، وفرش لبنيامين فراشًا فبكى فقال: نم معي على الفراش، فنام فجعل يضمه إليه ويشم ريحه ويبكي، فلما أصبح أنزلهم منزلًا وأحسن ضيافتهم، وقال: أرى هذا الرَّجُل الَّذي أتيتم به ليس معه ثانٍ، فسأضمُّه إليَّ فيكون منزله عندي. وخلا بأخيه فقال: ما اسمك؟ فقال: بنيامين، وقال: وأمك؟ فقال: راحيل، قال: فهل لك أخ؟ قال: كان وهَلَك، فقال يوسف: أتحبُّ أن أكون أخاك؟ فقال: من لي بذلك، ولكن لم يلدك يعقوب وراحيل، فبكى يوسف وقال: إني أنا أخوك وقام واعتنقه (١). فذلك معنى قوله: ﴿آوَى إِلَيهِ أَخَاهُ﴾ ثم قال له: اكتم هذا عن القوم ﴿فَلَا تَئتَبِسْ﴾ أي: لا تحزن ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [يوسف: ٦٩] بنا فيما مضى، فإن الله قد أحسن إلينا.
وقال عبد الصمد بن مَعْقِل، سمعت وهب بن منبه، وقد سئل عن قول يوسف لأخيه: ﴿إِنِّي أَنَا أَخُوْكَ﴾ فكيف أخافه حين أُخِذَ بالصُّواع، وقد زعمتم أن يوسف لم يزل متنكرًا لهم إلى آخر الأمر؟ فقال وهب: لم يعترف له بالنسبة، ولكنه قال: أنا أخوك مكانَ أخيك الهالك، ولم يقل له: أنا يوسف على الفور.
ثم طلب إخوة يوسف منه الكيل فأمر بذلك، ثم أمر بالسقاية أنْ تُجعلَ في رَحلِ بَنْيامِين.
والسقاية: المشربة التي يشرب بها الملك، وكانت من ذهب مرصعة بالجواهر،