للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المُؤْمنين؟ قال: يريد منزلًا ينزله، فقال: إنَّا نجد في كتبنا أن رجلًا يُدعى مِقلاصًا يبني مدينة بين دجلة والصَّراة؛ وتُدعى الزَّوراء، فإذا أسَّسها أتاه فَتْق من الحجاز، فقطع بناءها وأقبل على إصلاحه، فإذا كاد يلتئم أتاه فَتْق من البصرة أكبر منه، فلا يلبث الفتقان أن يلتئما، ثم يعود إلى بنائها فيُتمِّمه، ثم يُعمَّر طويلًا، ويبقى الملك في عَقِبه.

فأخبرني صاحبي بقول الطبيب، فأخبرتُ أَبا جعفر فقال: أنا والله ذلك، لقد سُمِّيتُ مِقلاصًا وأنا صبي، ثم انقطعت عني (١).

وقال الصُّولي. لما أراد أبو جعفر أن يبني بغداد كان يؤتى من كل أرض بتراب فيُعَفِّنه، فيصير عقاربَ وهَوامّ، فأُتي بتربة بغداد فعَفَّنه، فخرج صُرَيصر (٢) فأعجبه ذلك، وكان هناك دعي فيه واهب في صومعة، فاطَّلع فقال: لا يقدر علي بنائها إلَّا رجل يُقال له: مِقلاص، وبلغ أَبا جعفر فقال: الله أكبر، كانت أمي تُسمّيني مِقلاصًا وأنا صغير، ثم انقطع عني.

قال الهيثم: فقال له الراهب: لا بد لك من فتقين، يعني إبراهيم ومحمدًا، ثم قال له: ضعها ها هنا تأتيك الميرة من المغرب وطرائف مصر والشَّام في الفرات، وتجيئك المِيرة في دجلة من الصين والهند والبصرة وواسط وأذربيجان وأرمينية والروم والجزيرة والموصل وديار بكر ونحوها، ثم تكون بين الفرات ودجلة في خندق لا يصل إليك عدو إلَّا على جسر أو قنطرة، فإذا خفتَ أخربتَ الجميع فتأمن، وهذه المدينة لا يبنيها إلَّا رجل يقال له: أبو الدَّوانيق، فضحك أبو جعفر وقال: أنا ذاك.

قال الخَطيب: وكان في موضع القصر الذي بناه على الفرات دير، وإلى جانبه قرية يقال لها: العتيقة؛ وهي التي افتتحها المثنَّى بن حارثة، فنزل المنصور الدَّير، وكان عنده قرى ومزارع هي موضع بغداد، وحشد لها الصُّنَّاع والفَعَلة من البصرة والكوفة والشَّام والجزيرة ومصر، ومن الأقطار، ووضع أساسها في وقت اختاره له نُوبَخت المنجِّم، وكان الطالع القوس، وقال له نوبخت: إن الطالع يقتضي أنها لا تخرب، ولا يموت فيها خليفة (٣).


(١) تاريخ الطبري ٧/ ٦١٥، والمنتظم ٨/ ٧١.
(٢) في تاريخ بغداد ١/ ٣٧٤، والمنتظم ٨/ ٧٤: فخرج صرارات.
(٣) انظر المنتظم ٨/ ٧٢، وتاريخ بغداد ١/ ٣٨٦.