قال عيسى: فلما التقينا انهزم عني أصحابي، وبقيت في ثلاثة أو أربعة، فقال لي مولى لي: ما وقوفُك وقد ذهب النَّاس؟ فقلت: والله لا نظر أهل بيتي إلى وجهي وقد انهزمتُ عن عدوي وعدوّهم، فوالله لكان أكثر ما ترى أنني كنت أقول للمُنهَزِمة: أقرئوا أهلَ بيتي مني السلام وقولوا لهم: إنِّي لم أجد ما أفديكم به غير نفسي، فبينا نحن كذلك إذ جاء محمَّد وجعفر ابنا سليمان بن عليّ إبراهيمَ من وراء ظهره، فكرُّوا عليهم، ورجعنا نحن من ورائهم، ووالله لولا ابنا سليمان لافتضحنا.
وكان من صنع الله بنا أن أصحابنا لما انهزموا اعترض لهم يومئذ نهر، ولم يجدوا مَخاضة، فكروا راجعين إلينا فكان الفتح. وكان بَثَقَ البُثوقَ قومٌ من أصحاب أبي جعفر فأصبح عسكر إبراهيم في الوحل والماء (١)، وقيل: بل إبراهيم بثق البثوق ليكون القتال من جهة واحدة، فلما انهزم أصحاب عيسى منعهم الماء من الهرب، فرجعوا، وثبت إبراهيم في خمس مئة، وقيل: في سبعين، فجاءه سَهْم عائر، فوقع في نحوه فسقط، واجتمع أصحابه يقاتلون دونه، وجاءهم حُميد بن قَحطبة فقاتلهم فانفرجوا عنه، فنزلوا وحَزّوا رأسَه.
وقيل: إن الحرَّ آذاه، فحلَّ أزرار قَبائه، وحسر الزَّرَد عن لبَّته، فجاءه سهم فوقع في نحره، فاعتنق فرسه وكرَّ راجعًا، وأحاطت به الزيدية.
وفي رواية: لما انهزم أصحاب عيسى تبعتهم الرايات، فنادى منادي إبراهيم: لا تتبعوا مُدبرًا، فكرَّت الرايات راجعة، ورآها أصحاب عيسى فرجعوا، فكانت الهزيمة.
وقُتل أصحاب عيسى، وبلغ أوائلهم الكوفة، فقال أبو جعفر: أعِدّوا لنا الدواب والإبل، وكان عزمه أن يقصد الريّ.
وكان نوبخت المنجِّم قد دخل عليه عند مسير عيسى فقال: يَا أمير المُؤْمنين، الظَّفَر لك وسيقتل إبراهيم، فلم يقبل منه ذلك، فقال: احبسني عندك؛ فإن لم يكن الأمر كما قلت وإلا فاقتلني، فبينا هو كذلك إذ جاءه الخبر بقتل إبراهيم، فقال أبو جعفر:[من الطَّويل]
(١) في (ب) و (خ): يوم من أصحاب أبي جعفر فأصلح … والتصويب مستفاد من تاريخ الطبري ٧/ ٦٤٦، ونصُّ عبارته: كان بباخمرى ناسٌ من آل طلحة، فمخروها على إبراهيم وأصحابه، وبثقوا الماء، فأصبح أهل عسكره مرتطمين بالماء.