للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فألقتْ عصاها واستقرَّتْ بها النَّوى (١)

وأقطع نوبخت أَلْف جَريب بنهر جَوْبَر (٢)، وأتي برأس إبراهيم إلى الكوفة ليلة الثلاثاء لخمس بقين من ذي القعدة، فأمر به أبو جعفر فنُصِب في السوق.

وقيل: إن الرأس لما وُضع بين يدي أبي جعفر جعلت دموعه تسيل على خدِّ إبراهيم، ثم قال: والله إنْ كنتُ لهذا لكارِهًا، ولكن ابتُليتَ بي وابتليتُ بك.

ولما وُضع الرأس بين يدي أبي جعفر ودخل النَّاس؛ جعل كلُّ واحدٍ يُسيءُ القولَ في إبراهيم وينال منه، يلتمسون رضا أبي جعفر، وأبو جعفر ساكت متغيِّر اللون، حتَّى دخل جعفر بن حنظلة البهرانيّ فقال: عظَّم الله أجرَك يَا أمير المُؤْمنين في ابن عمك، وغَفر له ما فرط منه في حقِّك، فأسفر وجه أبي جعفر، وأقبل عليه وقال: مرحبًا وأهلًا يَا أَبا خالد، إلى هنا إلى هنا، فعلم النَّاس أن ذلك قد وقع منه موقعًا، فدخلوا وقالوا مثل قول جعفر.

وقد رثى إبراهيم جماعة منهم: عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزُّبير فقال:

يَا صاحبيَّ دعا الملامَةَ واعلما … أن لستُ في هذا بألومَ منكما

وقفا بقبر ابنِ النَّبِيّ هُديتما … لا بأس أن تقفا به وتسلما

قبر تضمَّن خيرَ أهلِ زمانه … حَسَبًا وطيبَ سجيَّةٍ وتكرُّما

شَهْمٌ نفى بالعدلِ جَوْرَ زمانه … ولقي عظيماتِ الأمور وأنعما

لم يَجتنبْ قصْدَ السبيل ولم يَجُرْ … عنه ولم يفتح بفاحشةٍ فما

ضحَّوا بإبراهيم في يوم الوَغى … فتصرَّمت أيامه وتَصرَّما

بطلٍ يخوض بنفسه غَمراتها … لا طائشًا رعشًا ولا مُستسلما

أضحى بنو حسنٍ أُبيح حَريمُهم … فينا وأصبح نَهبُهم مُتَقَسَّما

ونساؤهم في دورهنَّ نوائحٌ … سَجْعَ الحمام إذا الحمامُ ترنَّما


(١) تمامه: كما قرَّ عينًا بالإياب المسافرُ، انظر تاريخ الطبري ٧/ ٦٤٨.
(٢) في (ب) و (خ): بنهر حور، والمثبت من الطبري ٧/ ٦٤٨، وفي الكامل ٥/ ٥٧١: حويزة، ولعل الصواب: نهر جوبرة، كما ذكر ياقوت في معجمه.