للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفتيش رحالكم. وانصرف بهم إلى يوسف ﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وعَاءِ أَخِيهِ﴾ دفعًا للتهمة، وكان يفتش أمتعتهم واحدًا واحدًا (١). قال قتادة: ذكر لنا أنَّه كان لا يفتش ولا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثمًا مما قذفهم به (٢). حتَّى إذا لم يبقَ إلا بنيامين قال: ما أظنُّ هذا أخذ شيئًا، فقال إخوته: والله لا يُتْرَكُ حتَّى يُنْظَر في رحله، فإنه أطيبُ لنفسك ولنفوسنا، ففتحوا متاعه واستخرجوه منه، فذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ استَخرَجَهَا مِن وعَاءِ أَخِيهِ﴾ وإنما قال: "استخرجها"، لأن الصاعَ يذكَّر ويؤَنَّث، وقيل: ردَّه إلى السقاية، وقيل: إلى السرقة.

واختلفوا في معنى قوله ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ قال مجاهد: يعني كما فعلوا به في الابتداء فعلنا بهم في الانتهاء، لأن الله تعالى أخبر عن يعقوب أنَّه قال: ﴿فَيَكِيدُوأ لَكَ كَيدًا﴾ والكيد جزاء الكيد.

وقال ابن عباس: معناه "كذلك كِدْنا ليوسف" أي: الهمناه وصنعنا له حتَّى ضمَّ أخاه إلى نفسه وحال بينه وبين إخوته بعلَّة كادها الله له، فاعتلَّ بها يوسف ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ﴾ ولضمَّه إلى نفسه ﴿فِي دِينِ المَلِكِ﴾ أي: في حكمه وقضائه، وبه قال قتادة.

وقال الضحاك: إن يوسف لم يتمكن من أخذ أخيه بَنْيامين وحبسه عنده في دين الملك، أي: في حكمه، لولا ما تلطفنا له حتَّى وجد السبيل إلى ذلك، وهو ما أجري على لسان إخوة يوسف أنَّ جزاءَ السارق الاسترقاق فأقرُّوا به وسلَّموا أخاهم، وكان ذلك مرادَ يوسف به.

﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ بالعلم كما رفعنا درجة يوسف على درجة إخوته ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ﴾ [يوسف: ٧٦] قال الحسن: ما على ظهر الأرض عالم إلا وفوقه عالم حتَّى ينتهي العلم إلى الله تعالى.

وقال وهب: ولما أخرج الصُّواع من رحل أخيه نكَّسَ إخوتُه رؤوسهم من الحياءِ وأقبلوا على بنيامين وقالوا: يا بني راحيل ما يزال لنا منكم بلاء، متى أخذتَ هذا


(١) انظر "عرائس المجالس" ١٣٤.
(٢) "عرائس المجالس" ١٣٥.