للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيُّهذا الذي قد غَرَّه الأملُ … ودون ما يأمُلُ التَّنغيصُ والأجَلُ

ألا ترى أنَّما الدنيا وزينتُها … كمنزل الرَّكب حَلُّوا ثُمَّتَ ارتحلوا

حُتوفها رَصَدٌ وعيشُها نَكَدٌ … وصَفْوُها كَدَرٌ ومُلْكُها دُولُ

تظلُّ تَقرَعُ بالرَّوعاتِ لساكنَها … فما يَسوغُ له لينٌ ولا جذَلُ

كأنه للمنايا والرَّدى غَوَضٌ … تظلُّ فيه بناتُ الدَّهرِ تَنتضلُ

تُديره ما أدارتْه دوائرُها … منها المصيب ومنها المخطئ الزَّللُ

والنفس هاربةٌ والموت يَرصُدها … وكل عَثْرَةِ رِجْلٍ عندها جَلَلُ

والمرءُ يَسعى بما يَسعى لوارثه … والقبرُ وارثُ ما يسعى له الرجلُ

فبكى المنصور (١).

وقال إسحاق بن الفضل: بينا أنا على باب المنصور وإلى جانبي عُمارة بن حمزة إذ طلع عمرو بن عبيد على حمار، فنزل عن حماره، ونحَّى البساط برجله، وجلس دونه، فالتفت إلي عمارة وقال: ما تزال بصرتكم ترمينا بأحمق أحمق، فما فصل كلامه من فيه حتى خرج الربيع فقال لعمرو: أجب أمير المؤمنين يا أبا عثمان جُعلت فداك، فمرَّ متوكِّئًا عليه، فقلت لعمارة: إن الرجل الذي استَحْمَقْتَ قد دُعي وتُرِكنا! فقال: كثيرًا ما يكون مثل هذا.

فأطال اللبث، ثم خرج الربيع وعمرو متكئ عليه فقال: يا غلام، حمار أبي عثمان، فما برح حتى علا سرجَه وسوَّى ثيابَه، واستودعه الله، فأقبل عمارة على الربيع وقال له: لقد فعلتم اليوم بهذا الرجل فعلًا لو فعلتموه بولي عهدكم كنتم قد قضيتم حقَّه! قال الربيع: فما غاب عنك والله أكثر من فعل أمير المؤمنين وأعجب، فقال: حدِّثْنا، فقال: ما هو إلا أن سمع بمكانه فما أمهل حتى فُرِش له مجلسٌ باللُّبود، ثم انتقل هو والمهدي إليه، ثم أذِن له فدخل، فسلَّم عليه، فردَّ عليه ورحَّب به، وما زال يُدنيه حتى أتكأه على فخذه، ثم سأله عن أهله يُسمِّيهم واحدًا واحدًا الرجال والنساء، ثم قال له: يا أبا عثمان عِظني، فقال:


(١) تاريخ بغداد ١٤/ ٦٤، والمنتظم ٨/ ٥٨ - ٥٩.