للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤)﴾ فبكى بكاء شديدًا كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا في تلك الساعة وقال: زدني، فقال: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر منه نفسَك ببعضها، واعلم أن هذا الأمر الذي صار إليك إنما كان في يد مَن كان قبلك، ثم أفضى إليك، وكذلك يخرج منك إلى مَن هو بعدك، وإني أُحذِّرك ليلةً تَمَخَّضُ صبيحتُها عن يوم القيامة، فبكى والله أشد من الأول، فقال له سليمان بن مجالد: رِفقًا بأمير المؤمنين فقد أتعبتَه اليوم، فقال له عمرو: بمثلك ضاع الأمر وانتشر لا أبا لك، ماذا خفت عليه إن بكى من خشية الله تعالى؟

فقال المنصور: يا أبا عثمان أعنِّي بأصحابك، فقال: أظهر الحقَّ يتبعْك أهلُه. قال: قد بلغني أن محمد بن عبد الله بن حسن كتب إليك كتابًا، قال: قد جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه قال: فما أجبتَه؟ قال؛ أوليس قد عرفتَ أيامَ كنت تتردَّد إلينا أني لا أرى السيف؟ فقال: قد أمرتُ لك بعشرة آلاف درهم تستعين بها على سفرك وزمانك، فقال: لا حاجة لي فيها، قال: والله لتأخُذَنَّها، قال: والله لا أخذتها، فقال له المهدي: يحلف أمير المؤمنين وتحلف؟ وكان على المهدي سوادُه وسيفه، فقال للمنصور: مَن هذا الفتى؟ فقال: هذا ابني محمد المهدي وهو وليُّ العهد، فقال: والله لقد أسميتَه اسمًا ما استحقَّه عملُه، وألبستَه لباسًا ما هو من لُبس الأبرار، ولقد مهَّدت له أمرًا أمتع ما يكون فيه أشغل ما يكون عنه.

ثم التفت إلى المهدي فقال له: يا ابن أخي، إذا حلف أبوك وحلف عمُّك كان أبوك أقدر على الكفارة من عمك، فقال له المنصور: يا أبا عثمان، هل لك من حاجة؟ قال: نعم؛ لا تبعث إليَّ حتى آتيك، قال: إذًا لا تأتيني، قال: عن حاجتي سألتني، ثم ودَّعه ونهض، فأتبعه بصرَه وهو يقول: [من الرجز]

كلُّكم يمشي رويد … كلكم يطلب صَيد (١)

غير عمرو بن عبيد


(١) بعدها في (خ) و (ب) زيادة: كلكم يطلب دنيا، ولم أقف على أحد ذكرها.