للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال البلاذري: دخل عمرو بن عبيد على أبي جعفر وعليه طيلسان مُخَرَّق، فرمى أبو جعفر طَيلَسانه عليه، ثم قال له: عِظني، فوعظه فبكى وقال: يا أبا عثمان ارفع إليَّ حوائجَك، فقال: أولها أن ترفع هذا الطيلسان عني، ولا تعطني شيئًا حتى أسألك، ولا تبعث إلي حتى آتيك، واتق الله في أمة محمد (١).

فقال: يا أبا عثمان، إن أكثر ما أخاف عمال السوء الذين يظلمون الرعية، والله لوددت أقوى خلق الله عليها يليها دوني، هذا صاحبا فارس؛ رفع إليَّ خراجَ ما زعم أنه حصل في السنة الماضية خمسة آلاف درهم، وكتب إليَّ صاحبُ خبري هناك أنه قد احتبس لنفسه خمس مئة ألف درهم من مال المسلمين، فبمن أثق؟ أما بطني فوالله ما أبالي ما جاوز لَهَواتي، وهذه جُبَّتي لها ثلاثون شهرًا منذ لبستُها، فعلام أتأسَّف على الدنيا وهذه صفتي، وأما مقدار ما يكفيني من المطعم والمشرب فإذا هو في كل شهر عشرة دراهم (٢)، أفتراني أتعمَّد ظُلمَ مسلم أو ذمي وهذه حالي؟

ودخل عمرو على المنصور فقال: يا أمير المؤمنين، إن من وراء بابك نيرانًا تأجَّجُ من الجَور والظُّلم، واللهِ ما يُعمَل وراء بابك بكتاب الله ولا سنة رسوله، وإن الله سائلك عن مثاقيل الذرِّ من الخير والشر، وإن أمة محمد خُصماؤك يوم القيامة، وإن الله لا يرضى منك إلا العَدْل في بريَّته، وكان على رأس أبي جعفر سليمان بن مجالد فقال له: اسكت أيها الشيخ فقد شققتَ على أمير المؤمنين وأبكيتَه، فقال عمرو: مَن هذا؟ فقال أبو جعفر: هذا أخوك سليمان بن مجالد، فقال له: ويحك، والله إنه ميت ومُخَلٍّ ما في يديه، ومُرْتَهَن بعمله، وأنت والله غدًا جيفةٌ بالعَراء، ثم التفت إلى أبي جعفر وقال: والله لَقُربُ هذا الجدار خيرٌ لك من قُرب سليمان إذ طوى عنك النصيحة، ومنع مَن ينصحك، وكأني والله بهذا غدًا جيفة على الصراط يُجَرُّ برجله إلى النار، وإن هذا وأمثاله اتخذوك سُلَّمًا إلى شهواتهم، وإنهم لا يغنون عنك من الله شيئًا يوم القيامة، فقال أبو جعفر: فكيف أصنع؟ فقال: اطرد عنك هؤلاء الشياطين، واصحب أهل الصلاح، قال: فهذا خاتمي فابعث به إلى أصحابك فوَلِّهم، فقال: إن أهل الدين لا


(١) أنساب الأشراف ٣/ ٢٦٣ - ٢٦٤.
(٢) كذا، ولم أقف على مَن ذكر هذه القطعة.