للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أجاب، فكتب إلى الآفاقِ بالبيعة للمهدي، وبلغَ عيسى فأنكر، فشهدُوا عليه، ولم ينفع إنكارُه، وشكر أبو جعفر ذلك لخالد، وكان المهديُّ يصفُه بجزالة الرأي.

وفي رواية أنَّ أبا نُخَيلة عمل شعرًا منه: [من الرجز]

إلى أمير المؤمنين فاغتدي … سِيري إلى بحرِ البحور المزبدِ

إنَّ الذي ولَّاك ربُّ المسجدِ … أمسَى وليُّ عَهدِها بالأسعدِ

عيسى فزحْلفها (١) إلى محمدِ … حتى تؤدَّى من يدٍ إلى يدِ

فقد رضينا بالغلامِ الأمردِ (٢)

من أبيات. وشاعت ووقعت في أفواه العالم والخدم، وبلغت أبا جعفر، فاستدعاه ومجلسُه غاصٌّ بالناس، وعيسى بن موسى حاضر والقواد، فقال: أنشدني أرجوزتَك، فأنشده، فأعجبته، وكتب له إلى الرَّيِّ بعشرة آلاف درهم، فأخذَ الخطَّ وخرج، فقال له عقال بن شبة: أمَّا أنتَ فقد سررت أمير المؤمنين، فإن صح الأمرُ نلتَ خيرًا منه، وإلَّا فابتغ نفقًا في الأرض أو سلَّمًا في السماء من عيسى بن موسى، فبعثَ عيسى في طلبه من ذبحَه وسلخَ وجهه، فلم يعرف.

وقال الهيثم: بلغَ أبا جعفر أرجوزةُ أبي نخيلة فاستدعاه، فأنشدَه إيَّاها بمحضر من عيسى بن موسى والأشراف والقوَّاد، فقال:

قل للأميرِ الواحدِ الموحَّدِ … ليس وليُّ عهدِنا بالأرشدِ

عيسى فَزَحْلِفْها إلى محمدِ … وناد بالبيعة جمعًا واحشدِ

فلمَّا انقضى المجلس دعاهُ أبو جعفر، وكتبَ له بالجائزة إلى الرَّيّ، وقال له: احذر عيسى بن موسى، فخرجَ إلى الرَّي وبعثَ عيسى وراءَه مولاه قطري ومعه جماعةٌ، فاغتالوه، فذبحوه وسلخوا وجهَه، ورموا جسدَه للنسورِ فأكلته.

وقيل: إنهم قتلوه بعد أخذ الجائزة.

وفي روايةٍ أنَّ سلمَ بن قتيبة قال لعيسى لمَّا امتنع: أيُّها الرجل، بايع، فإنَّه لم


(١) زحلفه: دحرجه ودفعه. القاموس (زحلف).
(٢) انظر الأبيات في تاريخ الطبري ٨/ ٢٢، وفيه اختلاف عما هنا.