للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيره ماتَ فقيرًا، ومن لم يرض بما قسمَ الله له اتَّهم الله في قضائه، ومن استصغرَ زلَّة نفسه استعظمَ زلَّة غيره، ومن استصغرَ زلَّة غيره استعظمَ زلَّة نفسه، ومن كَشَفَ حجابَ غيره انكشفت عورات بيته، ومن سل سيفَ البغي قُتِل به، ومن احتفر لأخيه بئرًا سقط فيها، ومن داخلَ السفهاء حُقِّر، ومن خالط العلماءَ وُقِّر، ومن دخل مداخلَ السوء اتُّهم، قل الحق لك وعليك، وإيَّاك والنميمة؛ فإنَّها تزرعُ الشحناء في قلوب الرجال، وإذا طلبت الجودَ فعليك بمعادنه.

ووقع الذباب على وجه أبي جعفر المنصور، فذبَّه عنه، فعاد فذبَّه، فعاد حتى أضجره، فدخل عليه جعفر بن محمد، فقال له المنصور: يا أبا عبد الله، لم خلق الله الذُّباب؟ فقال: ليُذِلَّ به الجبابرة.

وكان جعفر يقول: من لم يغضب من الجفوة لم يشكر النعمة.

وقال: أصلُ الرجل عقلُه، وحَسَبُه تقواه، وكرمه دينه، والناس في آدم مستوون.

وقال: لقد عزت السلامةُ حتى خفيَ مطلبُها، فإن تكن في شيء ففي الخمول، [فإن طُلِبت في الخمول] (١) ولم توجد فيوشكُ أن تكون في التخلِّي، فإن لم توجد، ففي الصمت، والسعيدُ من وجد في نفسه حالة (٢) يشتغلُ بها.

وقال الليث بن سعد: حججتُ سنة ثلاث عشرة ومئة، فارتقيتُ أبا قبيس بعد العصر، وإذا برجلٍ جالسٍ يدعو، فقال: يا رب يا رب، حتَّى انقطعَ نفَسُه، ثم قال: يا رباه يا رباه، حتى انقطعَ نفسه، [ثم قال: يا الله يا الله، حتى انقطع نفسُه] (٣)، ثم قال: يا حيّ يا حيّ، حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا إلهي، أشتهي العنبَ فأطعمنيه، وإنَّ بُرْدَيَّ قد أخلقَا فاكسُني، قال الليث: فوالله ما استتمَّ كلامَه حتى نظرتُ إلى سلَّةٍ مملوءةٍ عنبًا، وليس على وجه الأرض عنب، وإذا ببردين موضوعين لم أر في الدنيا مثلهما، فلمَّا أرادَ أن يأكل قلت: أنا شريكك، قال: ولم؟ قال: لأنِّي أمَّنْتُ على دعائك، فقال: تقدَّم فكل، فتقدَّمت فأكلت عنبًا لم أرَ قط مثلَه، ما كان له عَجَم، حتى شبعتُ ولم تتغيَّر


(١) ما بين حاصرتين من (ب). وانظر صفة الصفوة ٢/ ١٧١.
(٢) في صفة الصفوة ٢/ ١٧١: خلوة.
(٣) ما بين حاصرتين من (ب).