للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلَّة، فقال: لا تدَّخر شيئًا، ثم قال: خذ أحد (١) البردين، فقلت: أنا في غنى عنه، فاتَّزرَ بواحد وارتدى بالآخر، ثم نزل والبردان اللذان كانا عليه بيده، فلقيَه رجلٌ في المسعى فقال له: يا ابن رسول الله اكسني، فإنِّي عريان، فدفع إليه البردين، فقلت للرجل: من هذا؟ قال: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، قال الليث: فطلبتُه بعد ذلك فلم أقدر عليه.

وكان جعفر من الأجواد، كان يُطعِم الناسَ حتَّى لا يُبقي لعياله شيئًا.

قال سفيان الثوري: قلت له: يا ابن رسول الله، اعتزلت الناس! فقال: فسدَ الزمان، وتغيَّر الإخوان، ورأيتُ الانفرادَ أسكنَ للفؤاد، وأنشد: [من الكامل]

ذهبَ الوفاءُ ذهاب أمس الذاهبِ … فالناسُ بين مخاتلِ ومُواربِ

يفشون بينهم المودَّة والصفا … وقلوبُهم محشوَّةٌ بعقاربِ

وقال جعفر: الوقوفُ عند الشبهة خيرٌ من الاقتحام في الهلكة.

وقال: إنَّ على (٢) كلِّ صوابٍ نورًا فما وافق الحق فخذوه، وما خالفَ الصوابَ فدعوه.

وقال: من أخرجَه الله من ذلِّ المعصيةِ إلى عزِّ الطاعة فقد أغناهُ بغير مال، وأعزَّه بغير عشيرة، ومن خافَ الله خافَه كل شيءِ، ومن لم يخف منه أخافَه من كل شيء، ومن زهدَ في الدنيا غرسَ الله الحكمةَ في قلبه، فنطقَ بها لسانُه.

وقال محمد بن عمر: سمعتُ جعفر بن محمد يقول لغلامه مُعَتِّب: اذهب إلى مالك بن أنس فاسأله عن كذا وكذا، ثم ائت فأخبرني.

قال الواقدي: أخذَ المنصور مُعتِّبًا هذا لما حجَّ المنصور فضربه ألف سوط حتى مات.

ولمَّا خرجَ محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة هربَ جعفر إلى ماله بالفُرْع، فلم يزل به هناك مقيما متنحيًا عمَّا كانوا فيه حتى قُتِل محمد واطمأنَّ الناس، فرجعَ إلى المدينة،


(١) في صفة الصفوة ٢/ ١٧٤: أحب. وليست في (ب).
(٢) في (ب) و (خ): وقال ابن علي. والمثبت هو الصواب وانظر تاريخ اليعقوبي ٢/ ٣٨١.