للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ماتَ أبو حنيفة أُخرجت ودائعُ الناس من بيته، فقال المنصور (١): خدعنا أبو حنيفة .

فصل في عبادته وخشيته:

رَوى الخطيبُ عن سفيان بن عيينة قال: كان لأبي حنيفة مروءةٌ وصلاةٌ من الليل في داره، وكان الناس ينتابونَه فيصلُّون (٢) معه.

وكان يختمُ القرآنَ في ركعة وتره، وكان يُسمَّى الوَتِد لكثرة صلاته. وفي رواية: كان يُحيي الليلَ بركعةٍ يختمُ فيها القرآن ثلاثين سنة.

وروى الخطيب عن أسد بن عمرو قال: صلى أبو حنيفة الفجرَ بوضوءِ العشاء الآخرة أربعين سنة، وكان يُسمعُ بكاؤه عامَّة الليل حتى ترحمَه جيرانُه، وحُفِظ عنه أنَّه ختمَ القرآن في الموضع الذي كان فيه ساكنًا (٣) سبعة آلاف مرة.

ورَوى الخطيبُ عن ابن المبارك أنَّه كان بالقادسية، فجاءَ رجلٌ فوقعَ في أبي حنيفة، فقال له ابن المبارك: ويحكَ! أتقعُ في رجل صلَّى خمسًا وأربعين سنة خمس صلوات بوضوء واحد، وكان يجمعُ القرآن في ركعتين في ليلة، وتعلَّمتُ العلمَ (٤) الذي عندي منه.

وروى الخطيب عن أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، إذ سمع رجلًا يقول: هذا أبو حنيفة لا يَنامُ الليل، فقال أبو حنيفة: والله لا يتحدَّث الناس عنِّي بما لا أفعل، وكان يحيي الليل كلَّه، صلاةً ودعاءً وتضرُّعًا (٥).

وروى الخطيب عن مِسْعر بن كِدام -وكان من العباد- قال: أتيتُ أبا حنيفة في مسجده، فرأيتُه يصَلِّي الغداةَ ثم يجلسُ يعلِّمُ الناس طولَ نهاره إلى العشاء، فقلت في نفسي: متى يتفرَّغ هذا للعبادة؟ لأتعاهدنَّه الليلة، فتَعاهدته، فلمَّا هدأ الليل انتصبَ في المسجد قائمًا إلى الصباح، فصلَّى الفجر، ثمَّ جلسَ للناس إلى العشاء الآخرة، ثم فعل


(١) في (خ): أبو حنيفة. وفوقها: كذا. والمثبت من تاريخ بغداد ١٥/ ٤٩٢.
(٢) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٨٣.
(٣) في تاريخ بغداد ١٥/ ٤٨٥: في الموضع الذي توفي فيه.
(٤) في تاريخ بغداد ١٥/ ٤٨٥: الفقه.
(٥) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٨٦.