للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل: وأما ورعه وزهده ونحو ذلك:

فرَوى الخطيبُ عن يحيى بن سعيد القطَّان قال: جالسنا والله أبا حنيفة وسَمعنا منه، وكنتُ إذا رأيتُه أو نظرتُ في وجهه علمتُ أنَّه يخشى الله تعالى، أو يتَّقي الله (١).

وروى الخطيب عن ابن المبارك قال: قدمتُ الكوفةَ فسألتُ عن أزهد أهلها وأورعهم، فقالوا: أبو حنيفة (٢).

قد جعلَ على نفسه أنَّه لا يحلف بالله تعالى إلا تصدَّق بدرهم، فحلفَ بالله اتِّفاقًا فتصدَّق بدرهم، ثمَّ جعل على نفسه أنه متى حلف بالله تعالى تصدَّق بدينار، وكان على ذلك، وكان إذا أنفقَ على عياله نفقةً تصدَّق بمثلها، وكان إذا اكتسَى ثوبًا جديدًا كسا بقدر ثمنه الشيوخ من العلماء والزهاد، وكان إذا وُضِع بين يديه طعامٌ رفع منه جزءًا للفقراء والمساكين.

وروى الخطيب عن وكيع أنه قال: كان والله أبو حنيفة عظيمَ الأمانة، وكان الله في قلبه جليلًا عظيمًا، يؤثرُ رضاه على كل شيء، ولو أخذته السيوفُ في الله تعالى لاحتمل، فرضي الله عنه رضا الأبرار، فلقد كان والله منهم (٣).

وروى الخطيب أيضًا عن ابن المبارك قال: ما رأيتُ أحدًا أورعَ من أبي حنيفة، لقد جُرِّبَ بالسياط والأموال فما التفت (٤).

وحكى الخطيب أيضًا عن المسعوديّ [عن أبيه] (٥) قال: ما رأيتُ أحسنَ أمانة من أبي حنيفة، مات وعنده ودائع بخمسين ألفًا، ما ضاع منها دينارٌ ولا درهم.

وحكى أيضًا عن يوسف السَّمتيّ قال: أجاز أبو جعفر أبا حنيفة بثلاثين ألف درهم في دُفعات لَمَّا قدم عليه بغداد، فقال: يا أمير المؤمنين إني غريبٌ ببغداد، وليس لي منزلٌ، فاجعلها في بيت المال، فإذا خرجتُ أخذتها، فأجابه أبو جعفر إلى ذلك، فلمَّا


(١) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٨٢.
(٢) هنا تم كلام عبد الله بن المبارك، وما بعده من كلام وكيع. انظر تاريخ بغداد ١٥/ ٤٨٩، ٤٩٠.
(٣) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٩٠.
(٤) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٩١.
(٥) ما بين حاصرتين من تاريخ بغداد ١٥/ ٤٩١.