﴿فَأَوْفِ لَنَا الْكَيلَ﴾ أي: أعطنا ما كنت تعطينا من قبل بالثمن الجيد الوافي ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَينَا﴾ أي: تفضَّل ولا تُنْقِصْنا من السعر، هذا قول أكثر المفسرين، وقال ابن جريج: معناه وتصدَّقْ علينا بردِّ أخينا ﴿إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ [يوسف: ٨٨].
فإن قيل: فلمَ لمْ يقولوا: إن الله يجزيك؟ قلنا: لأنهم ما عرفوا أنَّه على الإسلام وظنوه كافرًا. وفي الآية دليلٌ على أن الصدقة كانت على الأنبياء وأولادهم حلالًا، قال سفيان الثوري (١): ودلَّ على ذلك هذه الآية، وإنما حرمت على نبيِّنا ﷺ. وسمع الحسن رجلًا يقول: اللهم تصدَّقْ عليَّ فقال: يا هذا إنّ الله لا يتصدَّق، وإنما يتصدَّق من يبغي الثواب، وإنما قُلِ: اللهمَّ أعطني وتفضَّلْ عليَّ.
﴿قَال هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ اختلفوا في السبب الَّذي حمل يوسف على هذا القول، على أقوال:
أحدها: أنهم لما كلَّموه بهذا القول رقَّ لهم وغلبه دمعه فباح بما كان يكتم، قاله ابن إسحاق.
والثاني: أنَّه حكى لهم عن مالك بن دُعر أنَّه قال: وجدت غلامًا في بئر فاشتريته بكذا وكذا درهمًا، فقالوا: أيها الملك نحن بعنا ذلك الغلام منه، فغاظ ذلك يوسف وأمر بقتلهم، فذهبوا بهم ليقتلوهم، فقال يهوذا: كان يعقوب يحزن ويبكي لفقد واحدٍ منَّا حتَّى كفَّ بصره، فكيف إذا بلغه قتل بنيه كلِّهم؟ ثم قال له يَهُوذا: إذا كان ولابدَّ من قتلنا فابعثْ بأمتعتنا إلى أبينا فهو بمكان كذا، فبكى حينئذ ورقَّ لهم، قاله الكلبي.
والثالث: لأن يعقوب كتب إليه كتابًا يقولُ له فيه: مِن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله، أما بعد: فإنَّا أهل بيت موكّل بنا البلاء، أما جدي فشدَّت يداه ورجلاه وألقي في النار فجعلها الله عليه بردًا وسلامًا، وأما أبي فشدَّت يداه ورجلاه ووضعت السكين على حلقه، ففداه الله، وأما أنا فكان لي ابن
(١) القول في تفسير الطبري ١٦/ ٢٤٢، والثعلبي ٥/ ٢٥٢، وعرائس المجالس ١٣٩، وزاد المسير ٤/ ٢٧٩ وغيرها من كتب التفسير: عن ابن عيينة لا الثوري.