وكان أحبَّ أولادي إليَّ، فذهب به إخوته إلى البرية، ثم أتوني بقميصه ملطخًا بالدم وقالوا: أكله الذئب، فذهبت عيناي من البكاء عليه، وكان له أخ من أمه كُنْتُ أتسلَّى به، فذهبوا به وعادوا وقالوا إنه سرق وإنك حبسته. وإنّا أهل بيت لا نسرق ولا نلدُ سارقًا، فإن رددته وإلّا دعَوتُ عليك دعوةً تبلغ السابعَ من ولدك. فلما قرأ يوسف كتابه لم يملك عينيه أن فاضتا، ثم قال لهم ذلك. قاله سعيد بن جبير.
وروي أن يوسف كتب إلى أبيه: أما بعد فإنك ذكرتَ ما ابتلي به آباؤك، فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا، والسلام.
والرابع: أن يوسف سأل بنيامين فقال: ألك ولد؟ قال: نعم ثلاثة بنين، قال: فما سميتهم؟ قال: سميت الأكبر يوسف، قال: ولمَ؟ قال: محبة لك، قال: فما سميت الثاني؟ قال: ذئبًا؟ قال: لم فعلت ذلك وهو سبع عقور؟ قال: لأَذْكُرَكَ به، قال: فما سَمَّيتَ الثالث؟ قال: دمًا، قال: ولم؟ قال: لأنهم جاؤوا على قميصك بالدَّم. فلما سمع يوسف هذه المقالة خنقته العبرة وقال لهم: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ [يوسف: ٨٩] بما يؤول إليه أمره ونصره عليهم (١). وقيل: جاهلون مذنبون، لأن المذنب جاهل في وقت ذنبه، وقال الحسن: إذ أنتم شباب، لأن مظنة الجهل الشباب، وهذا أجود.
فإن قيل: إنما أساؤوا إلى يوسف فلم قال: "وأخيه" ولم يسعوا في حبسه؟
فالجواب. إنهم لما فرَّقوا بينهما وهما من أمّ واحدة فقد أساؤوا إليهما.
﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ﴾ كشف الحجاب عن وجهه فعرفوه، وقال ابن عباس: لما قال لهم: ﴿هَل عَلِمْتُمْ﴾ تبسَّم، وكان إذا تبسَّم كأن ثناياه اللؤلؤ المنظوم، فلما أبصروا ثناياه شبهوه بيوسف. وعن ابن عباس قال: لم يعرفوه حتَّى وضع التاج عن رأسه، وكان له في قرنه علامة، وليعقوب ولإسحاق ولسارة مثلها، وهي شبيهة الشامة، فقالوا ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَال أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾ بنيامين ﴿قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَينَا﴾ بأن جمع بيننا بعدما فرقتم أنتم ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ﴾ الله بأداء فرائضه واجتناب