للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلى، قالوا: فإنَّ عَفْوَكُما لا يُغنِي عنا شيئًا إنْ كانَ الله لم يَعفُ عنَّا، قال: فما تُريدُون؟ قالوا: نُريدُ أن تَدعُوَا الله [لنا]، فإذا جَاءَك الوحْيُ مِنَ اللهِ أَنَّه قد عَفَا عنَّا، طابَتْ قلُوبُنا وقَرَّت عُيونُنا، وإلَّا فلا قرَّتْ لنا عينٌ في الدُّنيا أبَدًا، فقامَ الشَّيخ فاستقبَلَ القبلةَ، وقَامَ يوسُفُ خَلْفَه، وقامُوا خَلفَهُما أذلَّةً خاشِعينَ ودَعَا يعقوبُ ويوسفُ يؤمِّن، فلم يَزَلْ فيهم عشرينَ سنةً" قال صالح المرِّي: فلما كان رأس العشرين نزل جبريل على يعقوبَ فقال: إن الله قد أجاب دعاءَكَ فيهم، وقد عفا عمَّا صنعوا، وإنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوَّة (١).

وقال مجاهد: إنَّما تأخرت الإجابةُ عشرين سنة لأنه كلَّما تفاقم الذنب تعاظمت العقوبة.

وقال مقاتل: ركب يوسف يومًا في ثمان مئة الف، وعلى رأسه ألفا لواء يتفقد أمورَ الرعية، وكان قد هجر زَليخا وعميت وانحنت فلبستْ جُبَّةَ صوفٍ وشدَّتْ وسطها بحبلٍ من ليف، ووقفت على قارعةِ الطريق فلما حاذاها نادته يا يوسف بالذي جعل العبيد ملوكًا بالطاعة، والملوكَ عبيدًا بالمعصية كلِّمني، فوقف وبكى بكاءً شديدًا لما سمع هذه الكلمات، ثم قال: من أنتِ؟ فقالت: زَليخا، قال: وأين شبابُكِ؟ قالت: ذهب به الَّذي أَذهَبَ ذُلَّكَ ومسكنتك، وأعطاك هذا المُلك، قال: فما تريدين؟ قالت: ثلاث حوائج، قال: سلي، قالت: أما الأولى فَيُردُّ عليَّ بصري وشبابي وأن تتزوَّجني، فسأل الله فردَّ عليها بصرها وشبابها وتزوَّجها، وإذا هي عذراء كما كانت بعد أن أتت عليها مئة وعشرون سنة، وأولدها أولادًا.

وذكر جدي في "التبصرة" بمعنى هذا فقال: كان يوسف يركب في كل شهر ركبة في ثمان مئة الف ومعه ألف لواء وألفا سيف فيدور في عمله، وينصف المظلوم من الظالم، وكانت زليخا تلبس جبةَ صوف وتشدُّ وسطها بحبل من ليف وتناديه فلا يسمع، فنادته يومًا: يا أيها العزيز، سبحان مَنْ جعل العبيدَ ملوكًا بالطاعة، وذكَّرته، فسمعها


(١) الخبر في تفسير الثعلبي ٥/ ٢٦١، وعرائس المجالس ١٤٢ - ١٤٣، وتفسير الطبري ١٦/ ٢٨١ موقوف على أنس، قال ابن كثير في تفسيره ٢/ ٤٩٣: هذا الأثر موقوف عن أنس، ويزيد الرقاشي وصالح المري [الواردان في إسناد هذا الخبر] ضعيفان جدًّا.