للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى في "المناقب" عن أبي عمير بن عبد الباقي قال: حصدَ إبراهيمُ بأذنة بعشرين دينارًا، فدخل أذنة ومعه صاحبٌ له، فأراد إبراهيم أن يحلقَ رأسه ويحتجم، فجاء إلى الحجام، فجلسَ بين يديه، فلما رآه الحجام حقره وقال: ما في الدنيا أبغضُ إلي من هؤلاء، ما وجدوا غيري، فحلق رأسَ جماعة وحجمهم، وتهاون بإبراهيم وصاحبه، وإبراهيم ساكت، فلمَّا لم يبق عنده أحد التفتَ إليهما وقال: ما تريدان مني؟ فقال إبراهيم: أحتجم وأحلق رأسي، وقال صاحبه: أمَّا أنا فلا أحتجمُ ولا أحلق رأسي؛ مِمَّا رأى من تهاونِ الحجَّام بهما، فحجمَ إبراهيم وحلقَه، فلمَّا فرغَ قال لصاحبه: ادفع إليه الدنانير، فقال له: حصدت وتعبتَ في الحر، وتعطي هذا الجلف (١) الجافي الذي أهاننا وفعل بنا ما فعل عشرين دينارًا؟ فقال له إبراهيم: اسكت، تركتُه لا يحتقرُ أحدًا من الفقراء بعدها.

ثم دخل طَرَسُوس، فقال لصاحبه: خذ من هذه الكتب فارهنها على ما نأكل، فخرجَ صاحبه، وإذا بخادمين بين أيديهما جَمَّازات وخيلٌ وبغال، عليها صناديق فيها أقمشةٌ وستون ألف دينار، وخادم يقول: الذي أبغيه أشقر أحمر، يقال له: إبراهيم بن أدهم، فدلَّه صاحبه عليه، فلمَّا رآه بكى وقال: صرتَ حصَّادًا بعد ملك خراسان، حتى أفضى بك الحال إلى هذا؟! فقال له إبراهيم: ما وراءك؟ فقال: مات الشيخ والدك، فقال له إبراهيم: موته يأتي على كل ما أتيتَ به، فما الذي تريد؟ فقال. أنا عبدك، ولَمَّا مات الشيخ ركب كل واحدٍ من إخوتك هواه، وأخذَ كلُّ واحدٍ من المملكة ما قدر عليه، وأخذت أنا ما ترى، وجئتُ أقيمُ عندكَ في الثغر بعد أن سألتُ العلماء، فقالوا: ما يقبل الله منك صرفًا ولا عدلًا، حتَّى ترجعَ إلى مولاك فيحكم فيك، وفيما معك بما أحب، فقال له إبراهيم: إن كنت صادقًا فأنت حرٌّ لوجه الله، وكلُّ ما معك فهو لك، قم واخرج عنِّي، ثمَّ التفتَ إلى صاحبه فقال: رهنت تلك الكتيبات؟ فقال: نعم. فأخضَرَ ما رَهنَها عليه، فأكل.

وحكى في "المناقب" عن إبراهيم بن أدهم أنَّه قال: بتُّ (٢) ليلةً في المسجد الحرام،


(١) في (خ): الحنف. ولعل المثبت هو الصواب. وانظر الخبر في مناقب الأبرار ١/ ٧٦ - ٧٧، وتاريخ دمشق ٢/ ٣٨٨ (مخطوط).
(٢) في مناقب الأبرار ١/ ٨٠: طفت.