للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى أيضًا في "المناقب" عن محمد بن المبارك الصوريّ قال: كنتُ مع إبراهيم في طريق بيت المقدس، فنزلنا وقت القيلولة تحت شجرةِ رمَّان، فسمعتُ صوتًا من الشجرة يقول: يا أبا إسحاق، أكرمنا بأن تأكلَ منَّا شيئًا، فطأطا إبراهيمُ رأسَه، فعاد ذلك الصوتُ ثانيًا وثالثًا، ثم ناداني الصوتُ: يا محمد، كن شفيعنا إليه ليتناول منَّا شيئًا، فقلت: يا أبا إسحاق قد سمعت، فقام ثمَّ أخذ رمَّانتين، فأعطاني واحدة، وأخذ هو واحدة، فأكلتُها وهي حامضة، فكانت شجرةً قصيرةً، فلمَّا عُدنا من الزيارة إذا بها قد طالت وارتفعت، وحسنت وحلا رمانها، وصارت تحملُ في كلِّ سنةٍ مرتين، فكانوا يسمونها شجرة العارفين (١).

وحكى في "المناقب" عن حذيفة المرعشي قال: صحبتُ إبراهيم بن أدهم في طريق مكة وكان يصلِّي عند كل ميلٍ ركعتين، ثمَّ دخلنا الكوفة، فأوينَا إلى مسجد خراب، فنظر إليَّ وقال: يا حذيفة، أرى بك أثرَ الجوع؟ قلت: نعم. فقال: ائتني بدواةٍ وبياض، فأتيتُه بها، فكتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أنتَ المقصودُ بكلِّ حال، والمشارُ إليه بكلِّ معنى، وكتب هذه الأبيات: [من الكامل]

أنا حامدٌ أنا ذاكرٌ أنا شاكر … أنا جائع أنا قانعٌ أنا عارِي

هي ستةٌ وأنا الضمينُ لنصفها … فكن الضمينَ لنصفِها يا جارِي

مدحِي لغيرِكَ لَهْبُ نارٍ خضتها (٢) … فأجز عبيدَك من دخولِ النارِ

ثم دفع إليَّ الورقةَ وقال: لا تعلِّق سرَّكَ بغير الله، واخرج فنَاولها أولَ من تلقاه، قال: فخرجتُ وإذا برجلٍ راكب على بغلة، فناولتُه إيَّاها، فقرأها وبكى وقال: أين صاحب هذه الرقعة؟ قلتُ: في المسجد الفلاني، فأخرجَ صُرَّةً من كمِّه فيها دنانير كثيرة، فدفعَها إليَّ (٣)، فجئتُ إلى إبراهيم فأخبرته، فقال: لا تمسّها فالساعة يأتي، فما كان بأسرع من أن أتى الرجل، فدخلَ المسجد، فقبَّل قدمَي إبراهيم وبكى وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وحَسُنَ إسلامُه، وأنفقَ ماله على الفقراء، وكان رئيسَ البلد، وصحب إبراهيم بن أدهم (٤).


(١) مناقب الأبرار ١/ ٧٢.
(٢) في مناقب الأبرار ١/ ٧٣: خفتها.
(٣) بعدها في مناقب الأبرار ١/ ٧٣، وحلية الأولياء ٨/ ٣٨: فسألت عنه فقيل: هو نصراني.
(٤) في (خ): أحمد. والتصويب من حلية الأولياء ٨/ ٣٨، وتاريخ دمشق ٢/ ٣٩٨ (مخطوط).