للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن بشار: سمعتُ إبراهيم بن أدهم يقول: ليسَ من علامة المحبَّة أن نحبَّ ما أبغضَ حبيبُنا، إنَّ مولانا ذمَّ الدنيا فمدحناها، وزهَّدنا فيها فآثرنَاها، ونهانا عنها فطلبنَاها، دعتكُم دواعيها، فأجبتم مسرعين مناديها، تتقلَّبون في شهواتها، وتتلوَّثون بتبِعاتها [تبنون] بالغفلة مساكنَها، وتعمرونَ بها مواطنها، أتطمعونَ في مجاورةِ الحقّ سبحانَه في دارِه التي دَوَّرها لأوليائه، وتأملون أن تحطُّوا رحالكم في منازل قربه، وأنتم غرقَى في بحار الدنيا، قتلى بسيوف الطمع والهوى، مِنْ جَفعِها ما تشبعون، ومن التنافسِ عليها ما تملُّون (١).

وقال: أطبْ مطعمَك، ولا عليك أنْ [لا] (٢) تقومَ الليل وتصومَ النهار.

وقال ابنُ بشار: وقال له رجل: أوصني، فقال: اعلم أنَّك لن تنال درجةَ القوم حتى تجوز ستَّ عقاب: تُغلق باب النعمة، وتفتح باب الشدَّة، وتُغلق باب العز، وتفتح باب الذلّ، وتغلق باب الرَّاحة، وتفتح باب الجهد والعناء، وتغلق باب النوم، وتفتح باب السهر، وتغلق باب الغنى، وتفتح باب الفقر، وتغلق باب الأمل، وتفتح باب الاستعداد للأجل (٣).

قال: ومرَّ إبراهيمُ بسوق البصرة، فقام إليه النالس فقالوا: يا أبا إسحاق، اللهُ تعالى يقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] ونحن ندعوه فلا يستجاب لنا، فقال: قد ماتت قلوبكم بعشرة أشياء:

أحدها: أنَّكم ادعيتم معرفةَ الله ولم تؤدُّوا حقَّه.

والثاني: قرأتم كتابه ولم تعملوا به.

والثالث: ادَّعيتُم طاعةَ رسوله (٤)، وتركتم سنته.

والرابع: أنَّكم ادعيتم عداوة الشيطان، ووافقتموه.

والخامس: أنَّكم تيقنتم الجنَّة، ولم تعملوا لها.


(١) حلية الأولياء ٨/ ٢٤، ومناقب الأبرار ١/ ٦١، وما بين حاصرتين منهما.
(٢) ما بين حاصرتين من حلية الأولياء ٨/ ٣١، ومناقب الأبرار ١/ ٥٢.
(٣) مناقب الأبرار ١/ ٥٢.
(٤) في حلية الأولياء ٨/ ١٦، ومناقب الأبرار ١/ ٥٥: ادعيتم حبَّ رسول الله .