للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاتفق هجومُ الأكرادِ على فارس، فاشتدَّ ذلك على أبي جعفر، فاستشار أَبا أيوبَ وقال: انظر رجلًا أولِّيه فارس، فقال: ما أعرفُ رجلًا يقوم بها مثلَ خالد، فقال: صدقت. وعقد له على فارسَ وولَّاه حربها وخَراجها، وإنما كان يلي الحربَ واحدٌ والخراجَ آخَر، فكان خالدٌ أولَ مَن جُمع له الحربُ والخراج في دولة بني العباس، فسار إلى فارسَ ومعه وجوهُ النَّاس، وانتجعه الشعراءُ ومدحوه.

وقال أبو عمرٍو العمراوي: أَجمع النَّاسُ ممن عرفناه من السادات والملوك والعلماءِ أنَّه ما بلغ مبلغَ خالدِ بن بَرمكَ أحدٌ من ولده، وأنَّ الفضائل التي (١) تفرَّقت فيهم اجتمعت فيه، كان فوق يحيى في رأيه وحِلمه، وفوق الفضلِ في سَخائه وكرمه، وفوق جعفرٍ في كتابته وفصاحته، وفوق محمدٍ في حُسن أُبَّهته، وفوق موسى في بأسه وشجاعته.

ثم تصرَّفت الولاياتُ بخالد، وجرت له مع أبي جعفرٍ قِصص، وأَغرمه ثلاثةَ آلافِ أَلْف درهم، وولَّاه الموصل، فمات أبو جعفرٍ وهو عليها وابنُه يحيى على أَذْرَبيجان. ولما مات المنصورُ أقرَّه المهديُّ على الموصل وزاد فارسَ وأعمالها، فبعث ابنَه يحيى إليها، ثم ولي الرَّي، وكان مع المهديِّ بطَبَرِسْتان.

وخالدٌ أوَّل مَن سمّى المنتجِعين الزوَّار، وكانوا يسمَّون السؤَّال، فقال ابنُ حُبيباتٍ (٢) يزيدُ بن خالدٍ الكُوفيّ (٣): [من الطويل]

حذا خالدٌ في جُوده حَذْوَ بَرْمَكٍ … فمجدٌ له مستطرَفٌ وأَثيلُ

فسمَّاهم الزُّوَّارَ سَترًا عليهمُ … وذلك مِن فعل النَّبيلِ نبيلُ

ومِن مدحه في خالد: [من البسيط]

لم يبقَ إلَّا الذي شيرازُ منزلُه … أَعني ابنَ برمكَ مِمَّن يُرتجى أَحدُ

إنْ أَنْتَ لم تنقلب من خالدٍ بغنًى … فاقعدْ فقد مُلك المعروفُ والصُّعدُ

وما أحدٌ من أهل خراسانَ إلَّا ولخالدٍ عليه مِنَّة ويد، وعلى غيرهم، وما كان له


(١) في (خ): الذي.
(٢) في (خ): حيان. وهو خطأ.
(٣) وكذا في الوافي ١٣/ ٢٤٨، والبيتان في ديوان بشار بن برد ٢/ ٤٦٥، ونسبهما له صاحب الأغاني ٣/ ١٧٣.