للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صاحبٌ وله دارٌ إلَّا وهي من نعمة خالد، ولا بستانٌ ولا قريةٌ ولا ابنٌ إلَّا وأمُّ ولدِه من خالد، ولا نعمةٌ إلَّا وخالدٌ أصلُها، وأَوقف على أبنائهم الأَوقاف.

وخرج خالدٌ مع قَحطبةَ لمحاربة ابنِ ضبارة (١)، فنزلوا بعيدًا منه ولم يستعدُّوا للقائه، فجلس قحطبةُ وخالدٌ يومًا على سطح في قرية، وإذا بقطيعٍ من الوحش والظِّباء قد خالطت العسكر، فصاح خالد: اِلبسوا السلاحَ فقد دهمكم العسكر، فلبسوا، وإذا بابن ضبارةَ قد أَقبل في جيوشه، والتقَوا فاقتتلوا، فقُتل ابنُ ضبارة وغنموا عسكرَه، فقال قحطبةُ لخالد: من أين علمت؟ فقال: رأيت قُطعانَ الوحش والظباءِ قد أَقبلت خالطت العسكر، ومن صفتها أن تنفِر، فعلمتُ أنَّه قد دهمها جيشٌ عظيم، فخالطت الإنسَ من خوفها منه.

وهجا أبو سَمَاعةَ المُعَيطيُّ خالدًا ويحيى فقال: [من الخفيف]

زرتُ يحيى وخالدًا مخلِصًا للَّه … [دِيني] (٢) فاستصغرا بعضَ شاني

ولو أنِّي أَلحدتُ في الله يومًا … ولو أنِّي عبدتُ ما يعبدانِ

ما استخفَّا فيما أظنُّ بشأني … ولأَصبحتُ منهما في مكانِ

إنَّ شَكلي وشكلَ مَن يجحد … الله وآياتِه لَمختلفانِ

وبلغ خالدًا فلم يقل شيئًا، وكان حليمًا، وبقيت في قلب يحيى، فلما مات خالدٌ وولي يحيى الوزارةَ دخل عليه المُعَيطي، فلما رآه يحيى قال: مَن القائل:

زرتُ يحيى وخالدًا مخلصًا لله؟

قال: ما أعلم. فاستحلفه بالله وبطلاق زوجتِه وصدقةِ ماله أنَّه ما يعلم مَن قاله، فحلف، فالتفت يحيى إلى أصحابه وقال: نحتاج نجدِّد لأبي سَمَاعةَ منزلًا وزوجة، يَا غلام، أَعطِه عشرةَ آلافِ درهمٍ وتختًا من الثياب، فأَعطاه، وخرج المعيطيُّ فقال: ما أَصنع بابن الزانية [أبي] (٣) إلَّا كرمًا، وبلغت يحيى، فاستدعاه فقال: ما الذي قلت؟


(١) في الوافي ١٣/ ٢٤٨: لمحاربة يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري.
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ دمشق ٥/ ٤١٣ (مخطوط).
(٣) ما بين حاصرتين من تاريخ دمشق.