للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ببغدادَ بموت المهديّ شغبوا وطلبوا من الرَّبيع الحاجبِ أرزاقَهم، فاعتذر، فأَحرقوا بابَه وأَطلقوا الحبوس، وكان نائبَ المهديِّ ببغداد، وقدم هارونُ بغداد، فطلب الجندُ أرزاقَهم، فبعثت الخَيزُرانُ إلى الرَّبيع، فدخل عليها، فأما يحيى فلم يدخل؛ لعلمه بشدَّة غَيرة موسى، وأَشار عليها الربيعُ بالإِنفاق في الجند لسنتين، فقبلتْ رأيَه، فسكتوا. وقيل: إنّما أَنفق فيهم رزقَ ثمانيةَ عشَرَ شهرًا، وذلك قبل قدومِ هارون، فلمَّا قدم هارونُ أخذ البَيعةَ لأخيه موسى، وضبط أمورَ بغداد، وبلغ الهادي دخولُ الربيعِ على الخَيزران، فعزَّ عليه، وكتب إلى الرَّبيع يتهدَّده بالقتل، وكتب إلى يحيى يشكره ويأمره أن يستمرَّ على حالة في أمر أخيه هارون.

واجتمع الربيعُ بيحيى بنِ خالد وكان بينهما مودَّة، فأَخبره بكتاب موسى إليه وقال: لا صبرَ لي على القتل وجَرِّ الحديد، فقال: أرى أن تبعث ابنَك الفضلَ يستقبله بالهدايا والأَلطاف، فإنِّي أرجو أن تُكْفى شرَّه، فبعث ابنَه بالهدايا، ومع هذا فإنَّه أَيقن بالهلاك، وكتب وصيَّته وأَوصى إلى يحيى، فقال: لا أحبُّ أن أنفردَ بشيء، وأرى أن يكونَ معي الفضلُ وأمُّ الفضل، فأَجابه الرَّبيع إلى ذلك.

وأما نُصيرٌ الوصيفُ فإنَّه وصل إلى جُرجانَ بالخاتَم والبَيعة والقضيب، فسار الهادي من فوره ذلك على خَيل البريد، فتلقَّاه الفضلُ بالهدايا إلى هَمَذان، فأَدناه وقرَّبه، وسأل الرَّبيع فقال: كيف مولاي؟ وأَظهر [أنَّه] إنَّما نقم عليه لكونه فرَّط في الأموال، ولم يُمكِنه أن يُظهِرَ أن ذلك لأجل اجتماعِ الرَّبيع بالخَيزُران، فلمَّا قرب من بغدادَ استقبله الرَّبيع، وعاتبه على إِخراج الأموال، فقال: يَا أميرَ المُؤْمنين، شغب الجندُ وخفتُ على دار الخلافة، فقبل عذرَه وولَّاه الوزارةَ مكانَ عُبيدِ الله (١) بنِ زياد بنِ أبي ليلى، وكانت موافاةُ الهادي إلى بغدادَ عاشرَ صَفَر، وكان خروجُه من جُرجانَ في العشرين من المحرَّم، ولا يُعرف خليفةٌ ركب خيلَ البريدِ سواه، فقال شاعر (٢): [من السريع]

لَمَّا أتتْ خيرَ بني هاشمٍ … خلافةُ اللهِ بجُرْجانِ


(١) في (خ): عبد الله. والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ١٨٩، والمنتظم ٨/ ٣٠٦.
(٢) هو سلم بن عمرو الخاسر، كما في الأغاني ١٩/ ٢٨٥، ومعجم الأدباء ١١/ ٢٤٠.