للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَمَّر للحرب (١) سَرَابيلَه … برأيِ لا غُمْرٍ ولا وانِ

وخرج لتلقِّيه هارونُ أخوه والأشرافُ ووجوهُ النَّاس، ونزل بالخُلد، ثم جلس للتَّعزية والتهنئة، فأَنشده مروانُ بن أبي حفصةَ وقال (٢): [من الطويل]

لقد أَصبحتْ تختال في كلِّ بلدةٍ … بقبر أميرِ المُؤْمنين المقابرُ

طَوَى طَوْدَ عزٍّ هاشميٍّ لمدَّة … وأَشرفَ طودَ عزَّةِ الدهرِ قادرُ (٣)

ولَمَّا جلس الهادي في مستقرِّ الخلافةِ واستقامت له الأمورُ، جدَّ في طلب الزنادقة، وكان أبوه قد وصَّاه فقال: إن أَفضى إليك هذا الأمرُ فتجرَّدْ لهذه العصابةِ أصحابِ ماني الزِّنديق؛ فإنَّها فرقةٌ تدعو النَّاسَ إلى ظاهرٍ حسن، كاجتناب الفواحشِ والزُّهد في الدنيا والعملِ للآخرة، ثم يخرجون من هذا إلى تحريم اللُّحوم، ثم إلى عبادة اثنين: النُّور والظُّلمة، ثم إلى نكاح الأمهاتِ والبناتِ والأَخوات، وسَرِقةِ الأطفال من الطُّرقات، فجرِّدْ فيهم السيفَ وتقرَّبْ إلى الله بقتلهم. فكان أوَّلُ ما شرع فيه طَلَبَهم، ونصب ألفَ جِذعٍ ببغداد، وصلب مَن قَدَرَ عليه منهم، وكتب إلى الآفاق بذلك، وكان فيمن قتل عليُّ بن يَقطين، وذُكر عنه أنَّه حجَّ فرأى النَّاسَ في الطَّواف حول الكعبةِ فقال: ما أَشبهَهم ببقرٍ تدرس في البَيدر، فقال العلاءُ بن الحدادِ يخاطب الخليفة: [من السريع]

أيا (٤) أمينَ اللهِ في خلقه … ووارثَ الكعبةِ والمنبرِ

ماذا ترى في رجلٍ كافرٍ … يشبِّه الكعبةَ بالبَيدر

ويجعل النَّاسَ إذا ما سَعَوا … حُمْرًا تدوس البُرَّ في الدَّوْسر

وقتل الهادي من بني هاشمٍ يعقوبَ بن الفضلِ بن عبد الرَّحْمَن بن عبَّاس بن ربيعةَ بن الحارثِ بن عبد المطَّلب، وكان المهديُّ قد بلغه عن يعقوبَ وابنٍ لداودَ بن عليِّ بن عبدِ الله بن عباس أنَّهما زنديقان، فخلا بهما في مجلسٍ متفرّقَين، وأَقرَّا له بالزندقة، وقال له يعقوبُ بن الفضل: أما أنا فأُقرُّ بها بيني وبينك سرًّا، ولو قرضتَ لحمي


(١) في المصدرين: للحزم.
(٢) ديوانه ص ٤٨.
(٣) البيت الثاني ليس في الديوان، ولم أجده في غيره من المصادر.
(٤) في (خ): يَا. والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ١٩٠.