للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصلَّى بهم الفجر، وبايعه النَّاسُ على الكتاب والسُّنة، وقال: أيها النَّاس، أنا ابنُ رسولِ الله وفي مسجد رسوله، وأنا أَدعوكم إلى كتاب اللهِ وسنَّةِ رسوله، فإنْ وفيتُ وإلا فلا بيعةَ لي في أعناقكم، واختفى العُمَري، وكان في بيت المالِ عشرون ألفَ درهم، وقيل: سبعون ألفَ دينار، فأخذوها، وثار بنو العباسِ وخالدٌ البربري، وكان يومئذٍ على الصَّوافي بالمدينة في جمعٍ كبير، وقد ظاهر بين دِرعين وبيده السيفُ صَلْتًا وهو يقول: يَا حسين، قتلني اللهُ إنْ لم أقتلْك. وحمل عليهم، فانتدب له يحيى وإدريس ابنا عبدِ الله بنِ حسن، فضربه يحيى على أنفه، فهشم البيضةَ ونفذ السيفُ في رأسه، وضربه إدريس من خلفه، فوقع، فتعاونا عليه فقتلاه وسلباه، وجرَّا برجله إلى البَلاط، فولَّى مَن كان معه منهزمين، وأقبل الليلُ فتفرَّقوا، وأغلق أهلُ المدينة أبوابَهم. فلما طلع الفجرُ اجتمعت شِيعةُ بني العباس ومَن تبعهم من أهل المدينة، فاقتتلوا إلى آخِر النهار، وفشت الجِراحاتُ في الفريقين، ووصل الخبرُ في ذلك النهارِ أن مباركًا التُّركي قد قدم من بغدادَ حاجًّا فنزل بئرَ المطَّلب، فخرج إليه العباسيُّون وشيعتهم وكلَّموه في القتال معهم، فجاء من الغد، فنزل الثَّنيَّة في دار عمرَ بن عبد العزيز، ووعد النَّاسَ بالقتال، فلمَّا غَفَلوا عنه، ركب رواحلَه وانصرف. وأقام الحسينُ بالمدينة أحدَ عشرَ يومًا، ثم خرج منها لستٍّ بقين من ذي القَعدة، وجعل يشتم أهلَ المدينة وهم يقولون: لا ردَّك اللهُ إلينا. ثم وجدوا مسجدَ رسولِ الله قد ملأه أصحابُه بولًا وقذَرًا، فغسلوه، ثم دخل الحسنُ مكَّة، فأخذ أصحابُه ستورَ الكعبة ونادى مناديه: أيُّما عبدٍ أتانا فهو حُرّ، فجاءه عبيدُ أهلِ مكة، فقال النَّاس: أَيُعتِق هذا عبيدَ غيرِه! أكفارٌ نحن مثلَ أهلِ الطائف! وكان الحسينُ قد واعد شيعتَه الخروجَ بمِنى، وإنما حثَّه على الخروج ما بدا من العُمَري، وبلغ الهاديَ الخبر، فانعزل في بيتٍ صغير وحده، وتغيَّر حاله، ولم يتجاسرْ أحدٌ أن يدنوَ منه، فأرسل إليه خواصُّه وأهلُه خادمًا صغيرًا وقالوا: قِفْ قريبًا منه لعلك أن تظفرَ منه بشيء، فوقف، ففَطِنَ الهادي فقال: [من الكامل]

رَقَدَ الأُلى ليس السُّرى من شأنهم … وكفاهم الإِدلاجَ مَن لم يَرقُدِ (١)

وكان قد حجَّ في هذه السَّنةِ رجالٌ من بني العباس، منهم محمدُ بن سليمانَ بنِ علي،


(١) تاريخ الطبري ٨/ ٢٠٣.