للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليك؛ لأنَّا نجد في كتبنا أن الثالثَ من بني العباسِ يملأ الأرضَ عدلًا كما مُلئت جَورًا، فقال المهدي: قد سرَّني ما قلت، ولك عندنا كلُّ ما تحبَّ، ثم أمر الربيعُ بإنزاله وإِكرامه، فخرج يومًا يتنزَّه، فمر بموضع الأَرحاء التي على نهر عيسى، فقال للربيع: أحبُّ أن أبنيَ ها هنا مستغلًّا يؤدِّي لي في السنة خمسَ مئةِ ألفِ درهم، فأَقرِضني خمسَ مئة ألفِ درهم، فقال: نعم، وأَخبر المهدي، فقال: أَعطِه خمسَ مئة ألفِ دينارٍ (١) وخمسَ مئة ألفِ درهم. وبنى الأَرحاء، فكان المهديُّ يبعث إليه في كلِّ سنةٍ مُغَلَّ الأرحاءِ، فأقام مدَّة ثم مات، فضمَّها المهديُّ إلى مستغلَّاته.

وقال الرَّبيع: ظهر رجلٌ يدَّعي النبوَّة، وبلغ المهديَّ فأَرسل إليه، فأَحضره في يومه، فقال: أَنْتَ تزعم أنك نبيّ؟ قال: نعم. قال: إلى مَن بُعثت؟ قال: أنتم تركتموني أَذهب إلى مَن بُعثت إليه! وجِّهتُ بالغَداة وأخذتموني بالعَشيِّ فحبستموني. فضحك المهديُّ من قوله وخلَّى سبيله.

وقال عليُّ بن صالح: أذنب رجلٌ من القوَّاد، وكان قد عتب عليه المهديُّ غيرَ مرَّة، فقال له: إلى متى تُذنب؟ قال: ما أبقاك اللهُ لنا، منا الذنبُ ومنك العفو. فاستحيى منه ورضي عنه.

وخرج المهديُّ يطوف بالبيت، فسمع أعرابيةً من ناحية المسجدِ تقول: قوم معثَّرون، نبت عنهم العيون، وقرحتهم الدُّيون، وعضَّتهم السِّنون، بادت رجالُهم، وذهبت أموالُهم، وكثرت عيالُهم، أبناءُ سبيل، وأنضاءُ طريق، وصيةُ الله ووصيةُ الرسول، فهل امرؤٌ يُجير كلأه اللهُ في سفره وخلفه في أهله؟ فرقَّ لها ووصلها.

ولما أَنشده مروانُ بن أبي حفصةَ قصيدته التي منها: [من الكامل]

أنَّى يكون وليس ذاك بكائنٍ … لبني البناتِ ولايةُ (٢) الأعمامِ (٣)

أعطاه سبعين ألفَ درهم، فقال: [من الطَّويل]

بسبعين ألفًا راشني من حِبائه … وما نالها في النَّاس مِن شاعرٍ قبلي (٤)


(١) في تاريخ بغداد ١/ ٤٠٦، وتاريخ دمشق ٦٢/ ٤٨٣: درهم.
(٢) في الديوان ص ١٠٤: وراثة.
(٣) في (خ): للأعمام.
(٤) الديوان ص ٩٣.