وقال المهدي لعُمارةَ بنِ حمزة: مَن أرقُّ النَّاس شِعرًا؟ فقال: والبةُ بن الحُباب الأسدي، وهو الذي يقول:[من مجزوء الكامل]
ولها ولا ذَنْبَ لها … حُبٌّ كأَطراف الرِّماحِ
في القلب يقدح والحشا … فالقلبُ مجروحُ النواحي
قال: صدقتَ واللهِ يَا أميرَ المُؤْمنين، فما يمنعك من منادمته وهو عربيٌّ شريف، شاعرٌ شريف، شاعرٌ ظريف؟! قال: قولُه: [من السريع]
قلتُ لساقينا على خلوةٍ … أَدنِ كذا رأسَك من راسي
وادنُ وضَعْ صدرك لي ساعة (١) … إنِّي امرؤٌ أَنكح جُلَّاسي
أفتريد أن أكونَ جليسَه على هذا الشَّرط؟
وقال لحاجبه: قد ولَّيتك سَترَ وجهي وكشفَه، فلا تجعلْ بيني وبين خواصِّي سببًا لضَغَنهم بعبوس وجهِك، وقدِّم أبناءَ الدعوة؛ فإنَّهم أولى بالتَّقدمة، واجعل للعامَّة وقتًا بعد وقت.
وبلغ المهديَّ عن أهل الشامِ شيء، فجهَّز إليهم جيشًا، فقال له ابنُ خريم: يَا أميرَ المُؤْمنين، عليك بالعفو عن المذنب والتجاوزِ عن المسيء، فلَأن يطيعَك النَّاسُ طاعةَ محبَّة خيرٌ لك من أن يطيعوك طاعةَ مخافة. قال: صدقت، وردَّ الجيش.
وأمر المهديُّ بقتل رجلٍ وعنده ابنُ السَّمَّاك، فقال له: إنَّ هذا لا يجب عليه القتل، قال: فما يجب عليه؟ قال: يسعه عفوُك، فإنْ كان أجرًا كان لك، وإن كان وزرًا فعليَّ. فعفى عنه.
وجيء المهديُّ برجل يدَّعي النبوَّة، فقال له: متى نبِّئت؟ قال: وما تصنع بالتاريخ؟! قال: ففي أيِّ الأماكنِ أتتك النبوَّة؟ قال: وقعنا معك في صُداع، فإن كنتَ تؤمن بي وإلَّا فدعْني أَذهبْ لعلي أجد مَن يصدِّقني غيرك. ثم قال: أمؤمنٌ أنا عندك أم كافر؟ قال: كافر، قال: فإنَّ الله يقول: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾ [الأحزاب: ٤٨]، فلا تُطِعني ولا تؤذيني، ودعني أذهبْ إلى الضعفاءِ والمساكينِ فهم أَتباعُ
(١) في الأغاني ١٨/ ١٠٠: ونم على صدرك لي ساعة. والبيتان الأولان في طبقات ابن المعتز ص ٢٠٨ أَيضًا.