الأنبياء، وأَدعُ الملوكَ والجبابرةَ فما بُعثتُ إليهم. فضحك المهديُّ وأَطلقه.
ورأى المهديُّ في المنام كأنه محا اسمَ الوليدِ بن عبد الملك من مسجد النبيِّ ﷺ، ثم نسي، فلما حجَّ جلس في المسجد، فرفع رأسَه فرأى اسمَ الوليد، فقال: ذكَّرتَني الطَّعنَ وكنتُ ناسيًا، وأمر أن يُمحى اسمُ الوليد ويكتبَ اسمُ المهدي مكانَه، ففعلوا.
ودخل شريكٌ على المهديّ، فقال له: اختر خَصلةً من ثلاث: إما أن تليَ القضاء، وإما أن تعلِّمَ ولدي، وإما أن تأكلَ معي لقمة، فقال: اللقمةُ أهون، فأكل عنده ألوانًا من الطعام، فقال القهرمان: ليس يُفلح هذا الشيخُ بعدها، فولي واللهِ القضاءَ وعلَّم أولادَه، ولقد كتب له رزقَه إلى الجِهبذ فضايقه، فجاء إليه فقال: كم تضايقني؟! فقال له الجِهبِذ: كأنك بعتَهم خزًّا، فقال: بعتُهم واللهِ أعزَّ من الخَزّ، قال: وما هو؟ قال: دِيني.
ورأى المهديُّ كأنه مقبلٌ على شريكٍ وهو مُعرِض عنه، فسأل المعبِّرَ عن ذلك، فقال: هذا رجلٌ يطأ بساطَك وهو مخالفٌ لك، فاستدعاه، فلما دخل سلَّم عليه، فقال له المهديّ: لا سلَّم الله عليك، فقال: إنَّ الله يقول: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦]، قال: ما تقول في أبي يوسُف؟ فقال: نسأل عنه فإنْ كان عدلًا قبلنا شهادتَه، فاستشاط المهديُّ غضبًا فقال: يَا ابنَ الزانية، فقال: مَهْ مَهْ! واللهِ ما كانت إلَّا صوَّامة قوَّامة، فقال له: يَا فاسقُ يَا زنديق، فقال له شريكٌ وهو يضحك: إنَّ للفسَّاق والزنادقةِ علاماتٍ يُعرفون بها: شربُهم القهوات، واتخاذُهم القَينات، ونومُهم عن العَتَمات. يعرِّض بالمهدي، فقال: رأيتكَ في النَّوم وأنت تُجيبني من قفاك، فواللهِ لأقتلنَّك، فقال: إنَّ رؤياك ليست برؤيا يوسفَ الصِّدّيق، فلا تُباح دماءُ المسلمين بالأَحلام، وقام فخرج، فتبعه ابنُ قَحطبة، فقال له شريك: أرأيت ما قال صاحبُك لنا؟ فقال له ابنُ قحطبة: لله أبوك! فواللهِ ما رأيت مثلَك.
وقال عليُّ بن صالح: كنت عند المهديِّ ودخل عليه شريك، فأراد أن يبخِّرَه بعود البَخور، فقال للخادم: هاتِ عودًا للقاضي، فجاء بعود الغناءِ فوضعه في حجر شريك، فقال: ما هذا يَا أميرَ المُؤْمنين! فخجل المهديُّ وقال: هذا أخذه العَسَسُ البارحة، فأحببت أن يكونَ كسرُه على يد القاضي، فقال: جزاك اللهُ خيرًا يَا أميرَ المُؤْمنين،