فكسره. ثم أَفاضوا في حديثٍ آخَرَ حتَّى نُسي حديثُ العود، ثم قال له المهديّ: ما تقول في رجلٍ أمر وكيلًا له أن يأتيَ بشيءٍ بعينه فأتى بغيره فتلف ذلك الشيء؟ فقال شريك: يضمن يَا أميرَ المُؤْمنين، فقال المهديُّ للخادم: اضمن ما أتلفتَ بقيمته أو مثلِه.
وقال أبو مَعشر: جلست الخَيزُران يومًا وحولها بناتُ الخلفاءِ على النَّمارق والوسائد، وتحت الخيزران بساطٌ رومي، وعندها زينبُ بنت سليمانَ بنِ علي، وكانت في القُعْدُد (١) عند أهلِها مثلَ المنصور، فدخل الخادمُ فقال: على الباب امرأةٌ ذات حُسن وجمالٍ وهَيبة في أطمارٍ رَثَّة تستأذن عليك، فأَذنت لها الخَيزُران، فدخلت امرأةٌ لها أُبَّهة وقَدْرٌ وجَلالة، فسلَّمت بأحسنِ سلام، وتكلَّمت بأَفصح بيان، فقلت لها: مَن أَنْتَ؟ فقالت: مُزنةُ امرأة مروانَ بنِ محمَّد، أصارني الدهرُ إلى ما ترون، وهذه الأطمارُ عليّ عارية، ولَمَّا غلبتمونا على هذا الأمرِ لم نأمنْ أن نخالطَ العامَّة، ولمَا نحن فيه من الضَّرر قصدناكم لنعيشَ تحت ظلِّكم، فاغرورقت عينا الخَيزُران، فنظرت إليها زينبُ وقالت: لا خفَّف اللهُ عنك، أتذكرين يومَ دخلتُ عليك وتحتك هذا البساطُ بعينه -وأَشارت إلى البساط الذي تحت الخَيزُران- ونساءُ فراعنتكم على هذه النَّمارقِ والوسائد، فكلمتُك في جُثَّة إبراهيمَ الإِمام فانتهرتِني وأمرتِ بإخراجي، وقلتِ؟ ما للنساء والدخولِ مع الرجالِ في آرائهم، وواللهِ لقد كان مروانُ أرعى للحقوق منك، دخلتُ عليه فسألته فيه، فقال: واللهِ ما قتلته، ولقد كذب، ثم دفع إليَّ جُثَّته، وأعطاني مالًا فلم أَقبلْه، فقالت مُزنة: واللهِ ما أظنُّ الحال التي أدَّتني إلى ما ترين إلَّا ما كان مني إليك، فلمَ حرَّضتِ هذه السيدةَ على حرماني؟! وكان الواجبُ عليك أن تحضِّيها على فعل الخيرِ ومقابلة الشيءِ بضدِّه؛ لتحوزَ نعمتَها وتصونَ دينَها، يا بنتَ عمي، كيف رأيتِ حالنا في العقوق وما صنع اللهُ بنا فأَحببتِ أن تتأسِّي بنا. ثم بكت بكاءً شديدًا وقامت، فأمرت الخيزرانُ الخادمَ فعدل بها إلى مقصورةٍ سرًّا من زينب، ودخل المهديُّ في الحال وأثرُ البكاءِ في وجه الخَيزُران، فسألها، فقصَّت عليه القصَّة، فبكى بكاءً شديدًا وقال: اللهم إنِّي أعوذ بك من زوال نعمتك. ثم قال: وأين المرأة؟ قالت
(١) القعدد: قريب الآباء من الجد الأكبر. القاموس المحيط (قعد).