نَكث الأَيمان هانت عليهم أيمانُهم لابنك، وإن تركتَهم على بَيعة أخيك ثم بايعتَ لابنك بعده كان ذلك آكدَ لبيعته. فقال: صدقتَ ونصحت، ولي في هذا تدبير.
وقيل: إنَّ الهاديَ حبس يحيى بسبب البَيعة لابنه جعفر، فأَرسل إليه يحيى: عندي نصيحة، فاستدعاه، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أتظنُّ أن الناسَ يرضون بجعفرٍ وهو صبيٌّ لم يبلغ الحُلُم؟! أو يرضَون به لصلاتهم وحجِّهم وغزوهم؟! فقال الهادي: ما أظنُّ ذلك. قال: أفتأمن أن يسموَ إليها كبارُ أهلك وأجلَّتهم مثل فلانٍ وفلان، ويطمعَ فيها غيرُهم فتخرجَ من ولد أبيك؟ فقال: نبَّهتني يا يحيى لأمرٍ لم أتنبَّه إليه. قال يحيى: وقد كان ينبغي لك لو لم يَعقدْ هذا الأمرَ أبوك لأخيك أن تعقدَه أنت؛ لصِغَر سنِّ ابنك، فكيف تَحلُّه وقد عقده أبوك لك؟! ولكن تقرُّه على حاله، فإذا بلغ جعفرٌ أنا آتيك بأخيك هارون، فيخلع نفسَه ويبايع لولدك ويعطيه صفقةَ يمينه، فقال: صدقت، وأَطلقَه.
وقال إسحاقُ الموصلي: لَمَّا لجَّ الهادي في خلع هارونَ أَشار عليه يحيى بنُ خالد بالصيد، وقال له: إذا خرجتَ فاستدفع الأيامَ وأَبعِد. فاستأذن الهادي فأذن له، فمضى على قصر ابن مقاتل، فأَقام أربعين يومًا، فأَنكر الهادي ذلك وفهم، فكتب إليه يستدعيه، فتعلَّل عليه، فنال الهادي منه في مجالسه، فلمَّا طال على هارونَ رجع إلى بغداد، فخافت الخَيزُران عليه، فبعثت ظئرًا كانت لهارونَ إلى يحيى، فشقَّت ثيابَها ولطمت وجهَها وبكت، وقالت: تقول لك السيِّدة: اللهَ اللهَ في ابني، لا تقتلْه ودعْه يجيب أخاه إلى ما فيه بقاءُ روحه، فهو أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها، فصاح يحيى عليها وقال: قولي لها: ما أنتِ وهذا؟ واللهِ لا يصل إليه حتى أُقتلَ أنا وأولادي وأهلي جميعًا.
وقيل: إنَّ الهادي جلس مجلسًا خاصًّا وفيه وجوهُ بني العباس ووزيرُه إبراهيمُ الحرَّاني، فدخل هارونُ فسلَّم عليه وجلس عن يمينه بعيدًا عنه، والباقون عن شماله، فأطرق الهادي ساعةً ثم رفع رأسَه وقال لأخيه: يا هارون، كأني بك تحدِّث نفسَك بتمام الرؤيا وتؤمِّل الخلافة، ودون ذلك خَرْطُ القتاد، فبرك هارونُ على رُكبتيه وقال له: يا موسى، إنَّك إن تجبَّرت وُضعت، وإن تواضعت رُفعت، وإن ظلمتَ حملت (١)،
(١) في تاريخ الطبري ٨/ ٢١١: ختلت، وفي الكامل ٦/ ٩٨: قتلت، وفي بعض نسخه -كما ذكر المحقق-: حكمت.