وإنِّي لأرجو أن يصلَ الأمرُ إليَّ فأُنصف مَن ظلمت، وأَصل مَن قطعت، وأصيِّر أولادَك أعلى من أولادي، وأزوِّجهم بناتي، وأبلغ ما يجب من حقِّ الإمامِ المهدي، فقال له موسى: هكذا الظنُّ بك يا أبا جعفر، ادنُ مني، فقبَّل يده، وأَجلسه معه في فرشته، والتفت إلى الحرَّاني وقال: يا إبراهيم، احملْ إلى أخي ألفَ ألفِ دينار، واعرضْ عليه ما في الخزائن يأخذ منها ما أراد. ولَمَّا قام قال الهادي: قدِّموا دابَّته إلى البساط ليركبَ منه، فلما خرج هارونُ قيل له بعد ذلك: ما كانت الرُّؤيا؟ فقال: قال أبي المهدي: رأيتُ في منامي كأنِّي دفعت إلى موسى قضيبًا وإلى هارونَ قضيبًا، فأَورق من قضيب موسى أعلاه، وأورق قضيبُ هارونَ من أوَّله إلى آخِره، فسأل المعبِّرين فقالوا: يملكان جميعًا، فأما موسى فتقلُّ أيامه، وأما هارونُ فتطول أيامُه، فلم يلبثْ موسى بعد ذلك إلَّا أيامًا ومات، وولي هارونُ فوفى بكلِّ ما قال.
وقيل: إنَّ الهاديَ قد خرج إلى حَديثة الموصل، فمرض بها واشتدَّ مرضُه، فعاد إلى بغداد، وكان قد كتب إلى الآفاق بالقدوم عليه من جميع الدُّنيا إلى عمَّاله وغيرِهم ليبايعَ لابنه جعفرٍ مع مَن بايع من خواصِّه، وكان يحيى محبوسًا، فلمَّا ثقل الهادي قال الذين بايعوا لجعفر: إن صار الأمرُ إلى هارونَ أَشار عليه يحيى بقتلنا ولم يستبقِ منَّا أحدًا، والرأيُ أن الهاديَ إذا أفاق نستأذنه في قتل يحيى، فاتَّفق موتُ الهادي ولم يجتمعوا به.
وقيل: كانت الخَيزُران حلفت ألا تكلِّمَ ابنَها موسى، فلمَّا ثقل أُخبرت به، فقالت: وما أَصنع به؟ فقالت لها خالصة: قومي إلى ابنك، فليس هذا وقتَ تعتُّب ولا تغضُّب، فقالت: إنا كنا نحدِّث أنَّه يموت في هذه الليلة خليفةٌ ويلي خليفةٌ ويولد خليفة، فمات موسى وولي هارونُ ووُلد المأمون.
وفي روايةٍ أن الخيزُران قالت: ما فعل ابني موسى؟ قالوا: مات، فقالت: إنْ كان مات فقد بقي هارون، وكان عندها زينبُ وأمُّ الحسن وعائشةُ وأحرب (١)، والكلُّ بناتُ سليمانَ بن علي، فقالت الخيزرانُ لخالصة: أَحضري أربعَ مئةِ ألف دينارٍ لساداتي، ثم قالت: ما فعل ابني هارون؟ وكان بعيساباذ، قالوا: حلف ألا يصليَ الظهرَ إلا ببغداد،