للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معزِّيًا له في أخيه موسى ومهنِّئًا له بالخلافة، فأنزله الرشيدُ وأكرمه وعظَّمه واحترمه، وفعل في حقِّه ما لم يفعلْه مع غيره، وزاد على ولايته كورَ فارسَ والبحرين وعُمان واليمامةَ والأهوازَ وكور دِجلة، ولم يجمعْ هذا لغيره، ولما أراد الخروجَ إلى البصرة شيَّعه الرشيدُ إلى كَلْواذى. وهو الذي زوَّجه المهديُّ ابنته، ونقلها إلى البصرة إليه، وكان له خاتمٌ من ياقوتٍ أحمرَ لم يُرَ مثله، فسقط ليلةً من يده، فطلبوه فلم يجدوه، فقال: أَطفئوا الشمع، ففعلوا فرأوه. وكان له خمسون ألفَ عبد، منهم عشرون ألفًا عِتاقة، وكانت به رطوبة، فكان يتداوى بالمِسك، يستعمل منه كلَّ يومٍ عشرين مثقالًا ويتركه في عُكَن بطنه، وكانت غلَّته في كلِّ يومٍ مئةَ ألفِ درهم، وكان يصعد المنبرَ في البصرة، وكان له لسانٌ فيأمر بالعدل والإحسانِ مع ظلمه، فيقول أهلُ البصرة: ألا ترون ما نحن فيه مع هذا الظالمِ الجائر وما يأمر به! فاجتمعوا إلى أبي سعيدٍ الضُّبَعي وقالوا: كلِّمه، فلما صعد المنبرَ قام إليه وقال: يا ابنَ سليمان، لِمَ تقولون ما لا تفعلون؟ يا محمدَ بنَ سليمان، ليس بينك وبين أن تتمنَّى أنك لم تُخلَق إلَّا أن يدخلَ مَلَكُ الموتِ من باب بيتك. فخنقتْ محمدَ بن سمليمانَ العَبرةُ فلم يقدر أن يتكلَّم، فقام أخوه جعفرٌ إلى جانب المنبرِ فتكلَّم عنه، فأحبَّه النسَّاك حين خنقته العَبرةُ وقالوا: مؤمنٌ مذنب.

وقدم عليه جماعةٌ من الشعراء (١)، فأقاموا ببابه مدَّةً ولم يصلوا إليه، فكتب إليه الخليلُ بن أحمد (٢): [من الكامل]

لا تقبلنَّ الشَّعرَ ثم تَعِيفه (٣) … وتنام والشعراءُ غيرُ نيامِ

واعلم بأنَّهمُ إذا لم يُنصَفوا … حكموا لأنفُسهمْ على الحكَّام

وجنايةُ الجاني عليهمْ تنقضي … وهجاؤهمْ باقٍ على الأيَّام

فأَجازهم وأحسنَ إليهم.


(١) في العقد الفريد ٥/ ٣٠٥، ومختصر تاريخ دمشق ٦/ ٦١ أنهم أنشدوا جعفر بن سليمان أخاه.
(٢) قال ابن عساكر: وقد رويت هذه الأبيات لابن الرومي. اهـ. ورويت له أيضًا في زهر الآداب ٢/ ٦٤٦، وهي في ديوانه ٦/ ٢٣٩٢ ضمن قصيدة.
(٣) في المصادر: تعقه.