للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذِكرُ وفاته:

لَمَّا احتضر كان رأسُه في حجر أخيه جعفرِ بن سليمان، فقال جعفر: واانقطاعَ ظهراه! فقال محمد: واانقطاعَ ظهرِ مَن يلقى الجبَّارَ (١) غدًا! يا ليت أمَّك لم تلدني، وليتني كنت حمَّالًا وأنِّي لم أكن فيما كنت فيه.

وكانت وفاته بالبصرة في اليوم الذي توفِّيت فيه الخَيزُران ببغداد، وهو ابنُ إحدى وخمسين سنةً وأَشهُر.

وقال ابنُ جَرير (٢): بعث الرشيدُ رجلًا يصطفي ما خلَّف من الصامت، ورجلًا يقبض الكسوة والفُرُش، ورجلًا إلى الرقيق والدواب، ورجلًا إلى الطِّيب والجواهر، فأصابُوا له من المال ستِّين ألف ألف درهم، وأخرجوا ما كان يُهدى إليه، حتَّى الدهن والسمك، فوجدوهُ قد تغيَّر، فألقوه في الطرقات، فأنتنت الطُّرقات.

وقال الصوليّ: إنَّ الرشيدَ فضَّ ما خلَّفه، فكان من العين ثلاثةَ آلاف ألف دينار، ولم يعترض الضياعَ ولا الدورَ ولا الجواهرَ ولا الفرشَ ولا الكسوةَ.

قال الطبريّ: إنهم حملوا ما كان يصلحُ للخلافة، ولم يتركوا إلَّا الذي لم يصلح، فلمَّا وصلت السفن إلى بغداد، أمرَ الرشيدُ أن يُدْخَل ذلك خزانته، إلَّا المال -وكان ستين ألف ألف درهم- فإنَّه أمر بصكاك فكُتبت للندماء والمغنِّين، فأخذوا الجميع من السفن، ولم يدخل إلى بيت ماله منها درهمٌ ولا دينار (٣).

وكان له مئة ألف دابَّة ما بين فرشٍ وبغلٍ وجملٍ وحمار، ولم يَتْرُكْ أحدٌ من الأكاسرة وبني أمية وبني العباس وغيرهم مثلَ ما ترك، وكانت الهدايا تأتيه من الهند والسند والصين وكِرْمان، وفارس والأهواز، وخراسان وما وراء النهر، واليمن واليمامة، والحجاز والشام والمغرب، وغير ذلك.

وقيل: إنَّ هارون اصطفى الجميعَ لنفسه، ولم يُعطِ ورثتَه شيئًا.

وقيل: إنَّ هارون أخذَ منه عشرة آلاف فرس، وعشرة آلاف بغل، ومن كل صنفٍ ونوعٍ عشرة آلاف.


(١) في تاريخ دمشق ٦٢/ ١٩٩: الحساب.
(٢) في (خ): ما خلف. ولعله سهو، والكلام في تاريخ الطبري ٨/ ٢٣٧، وانظر المنتظم ٨/ ٣٥١.
(٣) تاريخ الطبري ٨/ ٢٣٧.